"اقتحام قسم شرطة المعصرة": هل كشف الإعلام المصري أكثر مما نفى؟

بواسطة  حمزة حسن
السبت 26 يوليو 2025
"اقتحام قسم شرطة المعصرة": هل كشف الإعلام المصري أكثر مما نفى؟

بالأمس، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بفيديو مثير للجدل نشرته قناة على التلجرام تسمي نفسها "طوفان الأمة"، وفي هذا الفيديو يظهر شباب يُقال إنهم قد استطاعوا اقتحام مكتب الأمن الوطني بقسم شرطة المعصرة في القاهرة واحتجاز ضابط.

وفيما سارعت وزارة الداخلية إلى إصدار بيان رسمي ينفي صحة الفيديو، كان لافتًا أن الإعلام المصري الموالي للنظام تبنّى خطابًا تصعيديًا غير معتاد ضد حركة الإخوان، بينما جاءت بعض الخطابات متباينة ومتعارضة. وقد جاءت الحملة شرسة على الإخوان خصوصًا، واستشهدوا بـ"حسم" التي لا تزال رواية الداخلية الأخيرة فيها مثار شك كبير.

هذا التباين يفتح الباب أمام قراءة تحليلية أوسع: هل كانت ردود الفعل الرسمية والإعلامية تنفي الواقعة فعليًا، أم تؤكدها بشكل غير مباشر؟


وزارة الداخلية: نفي "الشكل".. لا "المضمون"


أصدرت وزارة الداخلية بيانًا قالت فيه إن الفيديو المتداول "مفبرك"، وإن الوثائق التي نُشرت معه "لا تمت للواقع بصلة". كما أعلنت عن ضبط الأشخاص القائمين على إعداد وترويج المادة.

لكن اللافت أن البيان:

  • لم ينفِ بشكل قاطع جوهر الادعاء، أي حصول اقتحام لمقر أمني، وإنما نفى الفيديو. وقد يكون نفي الفيديو بالنسبة للوزارة هو نفي للحادثة برمتها، لكن بيان النفي جاء منقوصًا في هذه الحالة.

  • لم يستخدم عبارات صريحة مثل: "لم يحدث أي اقتحام".

  • لم يُرفق أدلة عكسية (صور، فيديوهات من الموقع، أو تصريحات شهود).

  • ركّز على "من نشر" و"لماذا نشر"، أكثر من التركيز على "ما حدث فعليًا".


التقييم : 


هذا البيان يحمل طابعًا دفاعيًا لا هجوميًا، ويبدو أقرب إلى محاولة لاحتواء تأثير الواقعة إعلاميًا، لا إلى تفنيدها ميدانيًا. وهو ما يُعزز فرضية أن هناك بالفعل حدثًا أمنيًا حصل – أو على الأقل حالة استنفار حقيقية أثارت قلقًا رسميًا.
نفت الوزارة صحة الفيديو دون أن تنفي بشكل صريح محتوى الواقعة. وهذا التفريق مهم: فحتى لو ثبت فبركة الفيديو، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن الحدث لم يقع، بل فقط أن تصويره ليس حقيقيًا.
ويُلاحظ غياب أي تغطية ميدانية في الإعلام الرسمي التقليدي  – وهو ما يزيد الغموض حول الواقعة، ويفتح المجال لتأويلات متعددة وقد اكتفى الاعلام الرسمي بالاشارة الى بيان الداخلية فقط.


الإعلام المصري: خمس طبقات من الخطاب


جاءت تغريدات الإعلاميين المصريين المؤيدين للنظام متباينة في شكلها ومضمونها حول هذه الواقعة، ومختلفة النبرة والسياق بحسب توقيت نشرها أيضًا. وتنوعت هذه البيانات والتغريدات بشكل ملحوظ، ويمكننا تقسيمها إلى خمس طبقات، وهي:


الطبقة الأولى: التصعيد العقابي


أحمد موسى – الإعلامي المقرب من أجهزة الأمن والسيسي بشكل قوي – طالب بضرورة استخدام القوة الغاشمة ضد الإخوان المسلمين وكل أعداء الوطن، كما طالب بضرورة تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحق قيادات الحركة الإسلامية في مصر، للتأكيد على أن الردع هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الأمن.

كما اتهم المعارضين للنظام – كما جرت العادة – بـ"الإرهابيين والخونة"، وأكد أنهم يعملون على إسقاط الدولة.


التقييم:

شدة وقسوة النبرة التي تحدث بها أحمد موسى تؤكد أنه لا يتعامل مع ما جرى كإشاعة أو فبركة إعلامية، بل كتهديد حقيقي يستدعي ردًا عنيفًا وحاسمًا.
هذا الخطاب لا يهدف فقط إلى التعبئة الجماهيرية ضد "العدو التقليدي" (الإخوان)، بل يعكس درجة من الانزعاج داخل أجهزة الدولة من طبيعة ما جرى، ومدى تفاعله في المجال العام.
من اللافت أن موسى لم يذكر الواقعة مباشرة، ولم ينفها، بل اختار القفز فوق تفاصيل الحدث نحو المطالبة بعودة الحسم الأمني المطلق وتنفيذ الإعدامات، وكأن الرسالة الموجهة ليست فقط للجمهور، بل لصنّاع القرار أيضًا.
هذا النوع من التصعيد يشي بأن النظام، أو على الأقل دائرته الإعلامية القريبة، يفضل تفعيل أدوات الردع الجماعي في مواجهة أي اختراق رمزي، مهما كان محدودًا، وهو ما يعكس عقلية "الرد الوقائي" التي تطغى على تفكير الدولة في لحظات الهشاشة.


الطبقة الثانية: التأطير كمؤامرة كبرى


  • نشأت الديهي: وصف الحادثة بـ"فيلم المعصرة"، أنتجه "ذئاب منفردة" ضمن خطة إخوانية كبرى.

  • لؤي الخطيب: ربطها بمحاولات ضرب الاستقرار وتشويه دور مصر في فلسطين.

  • جون المصري: قال إنها حملة ممنهجة من دول مأجورة وجماعة إرهابية لإسقاط مصر.


التقييم:


هذه النبرة من الخطاب لا تنكر الحدث، بل تقوم بتأطيره ضمن رواية "المؤامرة الكبرى"، وهو ما يعني ضمنيًا الاعتراف بوجود واقعة ما، لكنها تُفسَّر على أنها جزء من مخطط خارجي يستهدف أمن واستقرار الدولة.
هذا النمط يُستخدم عادة لإزاحة التركيز عن تفاصيل الحدث نفسه (كيف حدث؟ من المسؤول؟ هل هناك خلل أمني؟) نحو أسئلة خارجية تتعلق بالعدو والمؤامرة والتآمر.
في هذا السياق، محاولة نشأت الديهي تصوير الواقعة كـ"فيلم"، رغم أنها قد تبدو كمحاولة لنزع المصداقية، تنقلب ضده حين يصف الفاعلين بـ"ذئاب منفردة"، مما يعني اعترافًا ضمنيًا بحدوث اختراق، حتى إن جاء من عناصر فردية.
وهنا تظهر المفارقة: فبدلًا من نفي الحدث، يُعاد إنتاجه بلغة أمنية–إعلامية ترى فيه تهديدًا منسجمًا مع "خطة إخوانية كبرى"، وبالتالي يتحول الاعتراف بالواقعة إلى وسيلة لتبرير التصعيد، وليس لنفيه.


الطبقة الثالثة: التشكيك في التفاصيل العملية


  • مصطفى بكري: قال إن القصة "مفبركة من البداية للنهاية"، وسأل: كيف يمكن الوصول للدور الرابع في ظل الحماية الأمنية؟

  • القائد عبدالله: تساءل إن كان هناك أصلاً دور رابع في قسم المعصرة.

  • داليا أبو عمر: شككت في إمكانية اقتحام القسم بسلاح خفيف "طبنجة"، كما لمّحت إلى أن المبنى لا يوجد به طابق رابع – من خلال الصور.


التقييم:



هذه اللغة تحاول تقويض إمكانية حدوث الواقعة منطقيًا، لكنها لا تنفيها صراحة، بل تتساءل "هل يُعقل؟". وتعد هذه النبرة أسلوبًا دفاعيًا أكثر من أن تكون هجوميًا، كما أنها تحاول إظهار أن مسألة الطابق الرابع – والذي لا يظهر جليًا من الصورة التي نشروها – مدخلٌ هام لنفي الواقعة.
أما فيما يخص التشكيك بوجود طابق رابع من خلال صورة المبنى من الخارج، فهذه الحجة تبقى غير حاسمة، لأن الصورة المتداولة لا تُظهر زوايا المبنى بالكامل، ولا تؤكد عدد الطوابق من الداخل. وهو ما يُضعف حجية هذا النفي البصري.


الطبقة الرابعة: السخرية وتفكيك السردية


استخدام مصطلحات مثل "فيلم المعصرة" أو السخرية من المشهد (المبنى، السلاح، الدور الرابع) هدفه تحويل الواقعة من تهديد إلى "نكتة".


التقييم:


في علم الاتصال السياسي، يُستخدم أسلوب التهكم والسخرية، مقترنًا بالتهوين والتشكيك، كأداة استراتيجية عندما لا يكون النفي الصريح للواقعة ممكنًا أو فعالًا.
وبدلًا من الدخول في مواجهة مباشرة مع الحدث أو تقديم نفي ميداني تفصيلي، تلجأ الجهات الرسمية أو الإعلام الموالي إلى تقليل أهمية الحدث وتفريغه من محتواه الجاد، عبر تسفيه السياق، أو التركيز على تفاصيل هامشية مثل السلاح أو شكل المبنى أو طريقة التصوير.
هذا الأسلوب يُسهم في تحويل الواقعة من تهديد أمني–سياسي إلى مجرد "مبالغة" أو "فيلم هزلي"، مما يُضعف الارتباط العاطفي أو الغضب الشعبي المحتمل، ويمنح الجمهور الموالي للنظام مادة مضادة سهلة التلقّي تعفيه من مواجهة الحقيقة أو مراجعة الموقف.


الطبقة الخامسة: التركيز على من نشر لا ما نُشر


الخطاب الرسمي والإعلامي ركّز على "من نشر" الفيديو و"نيّته"، ولم يقدّم رواية بديلة لما حدث في قسم المعصرة في تلك الليلة.


التقييم:



محاولة لتحويل الرأي العام إلى ضرورة الانتباه لمن نشر هذا الأمر، وكيف ولماذا نشره، واستغلالها في إعادة دفة النظام إلى استخدام الإرهاب كوسيلة لدعم بقائه، وعودته مرة أخرى إلى الوضع السابق بعد 2014، رغم أن النظام أعلن مرارًا وتكرارًا أنه قضى على الإرهاب.


الاستنتاج التحليلي


بعد كل ما سبق، يمكننا أن نقول إن كل الأطراف الرسمية والإعلامية لم تنفِ بشكل واضح وصريح واقعة الاقتحام، وإنما نفته بشكل ضمني عبر نفي مسبّباته أو نتائجه أو التشكيك فيه.

الاستجابة الإعلامية الفورية للتعامل مع الحدث، بشكل أمني وإعلامي، حملت طابعًا يؤكد أن الحادثة فعلية، وليست مجرد شائعة أو "فيلم مصور وممنتج".

كثرة وتعدد الخطابات وتباين صيغتها يدل على ارتباك واضح، ومحاولة لاستيعاب أثر الواقعة المفاجئة، والتهوين من أهميتها وخطورتها.



خلاصة التحليل: نفي غير مقنع… واستنفار إعلامي لاحتواء أثر الواقعة


تشير معظم المؤشرات إلى أن الدولة تعاطت مع الواقعة كحدث وقع بالفعل، أو على الأقل تعاملت مع أثره كحدث حقيقي يستحق الاستنفار الإعلامي والسياسي.
وتحاول احتواءه من خلال استراتيجية إعلامية متعددة المستويات: من التهوين، إلى التشكيك، إلى التخوين، إلى التهديد.

الوسوم
#حلوان #المعصرة #نشأت الديهي #أحمد موسى #وزارة الداخلية المصرية #تحليل أمني
مقالات أخرى
ملابس المتهمين والإضاءة.. قراءة تحليلية سريعة في مشاهد العملية الأمنية لوزارة الداخلية المصرية
المقال السابق
ملابس المتهمين والإضاءة.. قراءة تحليلية سريعة في مشاهد العملية الأمنية لوزارة الداخلية المصرية
أولي البأس: قراءة أمنية في النسخة السورية من حزب الله
المقال التالي
أولي البأس: قراءة أمنية في النسخة السورية من حزب الله