مجلس الأمن يضغط على أحمد الشرع… ويبعث برسائل مشفرة إلى أنقرة وموسكو

بواسطة  حمزة حسن
الخميس 14 أغسطس 2025
مجلس الأمن يضغط على أحمد الشرع… ويبعث برسائل مشفرة إلى أنقرة وموسكو

منذ عدة أيام وتحديد في 10 آب/أغسطس 2025، أصدر مجلس الأمن الدولي بيانًا رئاسيًا بالإجماع أدان فيه أحداث العنف التي شهدتها محافظة السويداء منذ 12 تموز/يوليو الماضي، والتي راح ضحيتها عشرات المدنيين وأجبرت نحو 192 ألف شخص على النزوح داخليًا.

جاء البيان في صيغة إنسانية مركزة على حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الى السويداء مع ضرورة التحقيق الشامل والشفاف حول ما جرى في المنطقة، لكن عند النظر بين السطور يمكننا رؤية العديد من الرسائل السياسية والاستخباراتية المحكمة والموجهة الى أحمد الشرع بشكل واضح وصريح،وبعضها أيضا تم توجيهه الى موسكو أنقرة.


الشرع تحت المجهر


كما قلنا بالأعلى فأن الرئيس أحمد الشرع، الذي يقود السلطة السورية المؤقتة، كان المستهدف الأول  والأهم بهذا البيان، حيث حدد له البيان ثلاثة شروط واضحة لضمان الإبقاء على الاعتراف به وحصوله على الدعم المناسب لبقائه حاكما في المنطقة وأهمها :

  1. تحقيقات شفافة وسريعة في أحداث السويداء، ومحاسبة المسؤولين بغض النظر عن انتماءاتهم علما بأن معظم التحقيقات الدولية قد وجهت سهام الاتهامات الى عدة فرق في الجيش السوري بينما لم يتم التطرق بشكل واضح إلى فصائل درزية.

  2. الالتزام بالعملية السياسية الأممية وفق القرار 2254 كمرجعية وحيدة للحل في سوريا وهي محاولة من مجلس الأمن لاعادة الحاضر الى الوراء وفرض المزيد من السطوة والسيطرة على نظام الشرع.

  3. ضمان حماية شاملة لجميع السوريين، بصيغة تمهد لحدوث عمليات مراقبة أو تدخل دولي إذا لزم الأمر مما يسهل العودة مرة أخرى للغرب باعادة الانتشار العسكري في سوريا أو نشر قوات على غرار اليونيفيل في لبنان.

تلك الصياغة لا تأتي من فراغ؛ بل هي مبنية على تقارير استخباراتية تشير إلى أن إدارة الشرع للجنوب السوري ستكون عاملًا حاسمًا في تحديد موقعه في المعادلة الدولية، وأن أي فشل أو تجاوز سيُستخدم كأداة ضغط لعزله سياسيًا, ويأتي ذلك بعد الزيارة الرسمية لوزير الخارجية السوري ووزير الدفاع الى موسكو، ويبدو أن أوروبا والغرب قد بدأوا يستشعروا أن الشرع يريد إعادة موسكو مرة اخرى للواجهة في سوريا وضمان حليف أو اثنين في مجلس الأمن مثل روسيا والصين.


القرار 2254… سيف الشرعية الدولية


جاء إقحام القرار 2254 في سياق السويداء هذا الشكل كاعادة تذكير وفرض اعادة تثبيت لقيد سياسي جديد قديم على النظام السوري الجديد، على الرغم من أن الشرع نفسه قد ناقش وتكلم أكثر من مرة منذ سقوط نظام بشار بأن ظروف قرار مجلس اﻷمن 2254 قد تغيرت وطالب المجتمع الدولي بأن يعيد النظر في هذا القرار.

وجاء البيان الجديد مقحما لملف السويداء للتأكيد على أن السويداء ليست شأنًا محليًا، بل جزء من المسار الأشمل لإعادة ترتيب السلطة في سوريا حسب رؤية مجلس الأمن والدول المشاركة فيه.

كما يؤكد ذكر القرار في البيان على أن أي نجاح أو إخفاق سيُقرأ دوليًا كاختبار لمدى التزام الشرع بخط الأمم المتحدة، أي بخط واشنطن وحلفائها داخل المجلس.


رسائل موازية لأنقرة وموسكو


لم يتوقف البيان عند حدود السويداء وسوريا فقط كما يبدو وإنما جاءت فيه عبارات موجهة الى أنظمة إقليمية فاعلة، فقد ذكر البيان بشكل واضح عبارات مثل "التدخل السلبي" كما طالب الدول بعدم التدخل الهدام الذي يؤثر على إعادة بناء سوريا.

وجاءت هذه العبارات تحمل صوتا داخليا موجه الى تركيا وروسيا مفاده أن الجنوب السوري ليس ورقة للمقايضة بالشمال، وأن أي تحرك استخباراتي أو ميداني خارج الإطار المرسوم سيتم رصده ومواجهته سياسيًا.


إدارة مسرح العمليات


ومن منظور أمني واستخباراتي، فإن هذا البيان من إدارة مسرح عمليات متعدد المستويات بالنسبة إلى دمشق فإن القرار يؤكد تحجيم أي استقلال سياسي للشرع عبر شروط واضحة،بينما يحاول أن يقول  لأنقرة ويطالبها بكبح جماح الطموح التركي في استغلال أي فراغ قوة قد نشأ في سوريا بعد سقوط بشار, وأخيرا رسالة موجهة الى موسكو للتذكير بأن المرجعية السياسية في سوريا ستبقى القرار 2254 مهما كانت التفاهمات الميدانية، وبالتالي الشرع مثل بشار لو حاولت موسكو التدخل.


لا يمكن اعتبار هذا البيان دلالة على أن الغرب قد قلب ظهر المجن للشرع ولكنه أشبه ببطاقة صفراء يخرجها الحكم للاعب الذي يخالف القوانين في المباراة, ولكنه يؤكد في نفس الوقت أن تراكم الإنذارات يؤدي الى الطرد المبكر بعد العزلة السياسية ووقف الدعم الدولي, كما انه يرسل رسالة للقوى الإقليمية بأن سوريا ليست مسرحا للمناورة وأن اللعبة تدار من غرف صنع القرار في واشنطن لا من دمشق.

في النهاية، يبدو أن مجلس الأمن هنا لعب دور الواجهة السياسية لجهاز التحكم الدولي، حيث تُرسل الرسائل الدقيقة عبر لغة إنسانية، لكنها تحمل في جوفها موازين القوى، وحسابات الميدان، وخطط ما قبل الاشتباك.


الوسوم
#أحمد الشرع #مجلس الأمن #موسكو #انق #انقرة
مقالات أخرى
السيسي للخليج: أنا فهمتكم، المسلماني يترجم والمعارضة تبارك بالصمت
المقال السابق
السيسي للخليج: أنا فهمتكم، المسلماني يترجم والمعارضة تبارك بالصمت
أسطورة الأمنجي المسبق: لماذا تفشل المعارضة المصرية؟ وكيف توقف النزيف؟
المقال التالي
أسطورة الأمنجي المسبق: لماذا تفشل المعارضة المصرية؟ وكيف توقف النزيف؟