من مرسي إلى الشرع: حين تتفوق الواقعية الخليجية على الرهان التركي

بواسطة  حمزة حسن
السبت 19 يوليو 2025
من مرسي إلى الشرع: حين تتفوق الواقعية الخليجية على الرهان التركي

تراهن تركيا، ومنذ اندلاع "الربيع العربي"، على دعم التيار الإسلامي في المنطقة، بينما راهن الخليج على خطورة وصول هذا التيار إلى الحكم. وينطلق كلا الطرفين في رهاناته من وعي بالواقع الإقليمي المعقد، سواء على المستوى الطائفي والعرقي أو في ما يتعلق بالتشابك مع ملفات حساسة، كالصراع العربي–الإسرائيلي والوجود الإيراني المتنامي في المنطقة.


وللمرة الثانية، يبدو أن تركيا قد فشلت أو في طريقها للفشل في محاولتها فرض نظم معينة في الدول العربية، بينما يُظهر النهج الخليجي نجاحًا واضحًا في الوقوف ضد ما تبنته تركيا من مشاريع سياسية.


التجربة المصرية: سقوط أول لرهان أنقرة


فبعد التجربة المريرة والفاشلة بكل المقاييس في دعم الرئيس الراحل محمد مرسي في مصر، والتي علّقت أنقرة آمالها على أن يتمكن مرسي من الإمساك بزمام الأمور، جاء الموقف الخليجي مغايرًا تمامًا. فالخليج لم يكتف بمجرد الرهان على فشل مرسي، بل ساهم بقوة في إسقاطه، مدعومًا بقراءة أعمق لتفاعلات الداخل المصري والمخاطر الإقليمية. 


في المقابل، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أوائل المهنئين للرئيس الراحل مرسي، وسعت أنقرة بكل الوسائل لدعم تلك التجربة ومحاولة إنجاحها بأي شكل لا سيما خطة "المئة يوم" التي ألزم بها مرسي نفسه في بداية حكمه,  لكن هذا السعي لم يكن ملائما ومساويا للخطة المضادة التي قامت بها الأنظمة الخليجية.


واستمرّ الدعم التركي للإسلام السياسي حتى بعد سقوط مرسي، إذ أصبحت تركيا ملجأً هاما لعدد كبير من قيادات التيار الهاربة من بطش قوات الأمن في مصر بعد الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي، والذي كان مدعومًا بوضوح من دول الخليج وتمت الموافقة عليه إسرائيليا وكانت إسرائيل هي الدولة الأكثر تأثيرا في إقناع الغرب بعدم رفض هذا الانقلاب.


من القاهرة إلى دمشق: هل يتكرر السيناريو؟


لكن، لم يكن هذا الدعم الخليجي لإسقاط مرسي نابعًا فقط من عداء أيديولوجي مع الإسلام السياسي بقدر ما كان تعبيرًا عن فهم دقيق لطبيعة المنطقة وتوازناتها، ومآلات وصول قوى ذات طابع أيديولوجي إلى الحكم. هذا الدرس الذي لم تفهمه تركيا حينها ويبدو أنها تحاول تلافيه في التجربة السورية مع أحمد الشرع.


منذ منتصف ديسمبر 2024 الماضي، وبعدما وصل أحمد الشرع إلى سدة الحكم في سوريا، مدعومًا بشكل واضح وصريح من تركيا  بادر سريعًا إلى طمأنة إسرائيل بأنه لا يسعى إلى التصعيد، معلنًا التزامه بالاتفاقات الموقعة سابقًا. ثم ما لبث أن اتجه لتطمين الخليج وأوروبا، مؤكدًا أن نظامه الجديد، رغم خلفيته الجهادية، لن يكون مصدرًا للأزمات في المنطقة، ولا نواةً لبث القلاقل في دول الجوار, ولم تكن هذه مناورة منه بقدر ماهي محاولة لتثبيت الحكم ووأد أي محاولة خليجية جديدة للإطاحة به كونه نظام إسلامي.


الخليج يمد يده... بتحفّظ


ومع وصول الشرع إلى الحكم، تلقى كل من الخليج والغرب رسائله الأولى بمزيج من الحذر والقبول. ولأول مرة، أوقف الخليج دعمه لقواته الموجودة في سوريا، والتي دخلت دمشق بدايةً قبل قوات الشرع، متمثلة في قوات أحمد العودة، الذراع الإماراتي في الملف السوري. كما أيدت دول الخليج، بشكل ضمني، الاختيار التركي للشرع، نظرًا لتاريخ الشرع في إدارة مناطق سورية سابقة بنجاح كإدلب ، وصلاته المتينة بتركيا، التي ظهرت وكأنها الضامن الأساسي لهذا النظام الجديد أمام كل الأنظمة المحيطة,ورغبة الخليج الملحة في ايقاف المعارك في اشرق الأوسط من أجل الوصول الى شرق أوسط هادىء قبل 2030 لتحقيق الرؤى الخليجية في المنطقة كل هذه الأمور ساهمت بشكل ما الى القبول الخليجي بالضيف الجديد والترحيب به على حذر.


وبدا أن الخليج منفتح على إعطاء هذا النظام فرصة، حيث لعب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان دورًا هاما في إقناع الغرب برفع العقوبات عن النظام الجديد، وترتيب لقاء رسمي بين أحمد الشرع والرئيس الأمريكي ترامب. هذه التطورات أوحت بأن النظام السوري الجديد، رغم وصايته التركية، أصبح مقبولًا إقليميًا ودوليًا, لكنها خطوات حذرة والخليج لا يمانع في الإنقلاب عليها فور شعوره بأنها غير مجدية وأن النظام السوري الجديد لن يكون متماهيا مع الرؤية العربية والإقليمية للمنطقة. 


الهواجس الخليجية: إيران أولًا


قادة الخليج يدركون أن المنطقة تعاني من ضعف عسكري واضح في جيوشها - بعمد أو بقصد, كما أن التغلغل الإسرائيلي في تلك الأنظمة متفش وواضح، وكثرة العملاء، فضلًا عن التوتر المزمن مع إيران وطموحاتها التوسعية في المنطقة العربية. لذلك، رأى الخليجيون أن وصول قوى إسلامية إلى سدة الحكم سيؤدي حتمًا إلى مشاكل مع إسرائيل، الدولة التي تمثل ثقلاً استراتيجيًا أساسًا في ميزان الغرب الإقليمي كما أنها تمثل الملاذ الآمن لتلك الأنظمة بسبب علاقاتها المتشعبة والقوية مع أمريكا, وحاجة هذه الأنظمة الى الدعم الأمريكي في مواجهة الخطر الإيراني.


الأنظمة العربية والقضية الفلسطينية: مسار الانحدار


تستند تلك الرؤية الخليجية إلى تاريخ طويل من الفشل العربي في مواجهة المشروع الإسرائيلي منذ 1948، سواء عبر الحروب المباشرة، أو عبر دعم المقاومة من أراضٍ عربية، وهي تجارب انتهت كلها بخسائر كارثية، إلى أن وصلت الأنظمة العربية إلى محاربة المقاومة ذاتها داخل الأراضي المحتلة.


بينما تنطلق الرؤية التركية من تحقيق المصالح الاستراتيجية للدولة التركية وخلق أكبر كمية من الأعداء المحيطين باسرائيل من أجل اشغال اسرائيل والمنطقة ببعضها حتى يتمكن التركي سياسيا من تنفيذ أجندته المتمثلة ربما في اعادة بناء امبراطورية عثمانية جديدة ولكن بنظام حديث عبر حكام موالين له لتشكيل حلف تركي عربي مؤثر في المنطقة وله دور إقليمي ودولي.


إن نجح فلنا... وإن فشل فعلى نفسه


لقد دفع الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي في مصر ضريبة قاسية وشديدة عندما تورط في قيادة البلد في حالة صعبة بعد نشوة الثورة المصرية وسقوط نظام مبارك , ولكنه ومن جهة أخرى دُفع دفعا الى التورط في هذه المعضلة - الحكم, حيث لم تتفق القوى الثورية حينها على خارطة طريق واضحة وحاولت كل قوة أن تطبق مشروعها الخاص بها دون أن يجتمعوا جميعا على مشروع توافقي لادارة المرحلة واستغل الخليج والنظام القديم في مصر بالإضافة الى الجيش هذا الأمر , وساهمت قيادات الجيش في تأجيج ذلك الصراع الثوري المصري عبر تحالفات مع التيار الإسلامي تارة ومع التيار الليبرالي أو اليساري تارة اخرى مما أجبر التيار الإسلامي على ضرورة الذهاب بمرشح للرئاسة ووقع الاختيار على مرسي بعد عدم قبول ترشح خيرت الشاطر والذي كان خيارا مفضلا لتركيا.


اليوم يبدو المشهد مماثلا في سوريا , حيث قبل الخليج وصول الشرع للحكم عبر توافق مع تركيا رغم أنه وكما ذكرنا كانت له اليد الأولى من حيث دخول قواته لدمشق قبل وصول قوات الشرع لها, فيما يبدو كما لو أنها توريطة جديدة لتركيا والشرع عبر تسليم الحكم لتيار إسلامي في ظروف سيئة تجعل الاطاحة به بعد فترة أمرا سهلا ومطلبا دوليا كما حدث في مصر.


انكشاف هشاشة النظام الجديد


خلال الأشهر الأخيرة، بدأت تتكشف ملامح فشل هذا مشروع الشرع، خاصة بعد معارك الساحل والسويداء، إذ بدا واضحًا أن النظام الجديد عاجز عن إدارة شؤونه بشكل فعّال، ويعاني من تخبط شديد في قراراته العسكرية، وتفتت في وحداته القتالية. وفي الوقت نفسه، ظهر ضعف كبير في خبرته السياسية، حيث تم التلاعب به من قبل إسرائيل والمبعوث الأمريكي، بعدما أوهموه بأن الطريق مفتوح أمامه لبسط سيطرته.


الشرع بين ماضٍ جهادي وحاضر مضطرب


كما أن نظام الشرع في سوريا مكبل بماضيه والذي يحاول التنصل منه وإبداء كافة المظاهر التي تدل على تخليه عن الفكر الجهادي الإسلامي , مما يجعله غير قادر على اتخاذ قرارات مفصلية وقوية في مواقف تحتاج الى جرأة , وتتابع الاتهامات ونظرات التخويف والقلق من قبل الدول الغربية وإسرائيل والتهديد بالنبرة الجهادية كلما حاول أن يتخذ قرار مهما , كلها تجعل من هذا النظام الجديد مجرد العوبة بيد القوى الإقليمية المتحكمة في المنطقة.


 السويداء: الضربة التي عرّت النظام


ومع أول محاولة للشرع للتمدد في السويداء، جاءت الضربات الإسرائيلية موجعة، مصحوبة بتهديدات متواصلة، انتهت بانسحابات متتالية لقواته، بل وطلبه من العشائر العربية والتي أعلنت النفير تجاه السويداء بعد المجازر التي مارستها بعض الميليشيات الدرزية بقيادة حكمت الهجري ضد البدو في المنطقة  الانسحاب كذلك، ما كشف هشاشة النظام الجديد.


حين تنتصر البراغماتية على الأيديولوجيا


خلاصة القول: إن الرؤية التركية، رغم طابعها الأيديولوجي، فشلت في قراءة تعقيدات المشهد العربي، ما قادها إلى رهانات خاسرة في كل من مصر وسوريا. في المقابل، أثبتت المقاربة الخليجية، على ما يُقال عنها، أنها الأكثر انسجامًا مع الواقع الجيوسياسي للمنطقة. لقد مكّنتها هذه البراغماتية من إدارة التوازنات الإقليمية بفاعلية، وتجنّب الفوضى التي أطلقتها الثورات العربية، مما أدى إلى وأد المشروع السياسي الإسلامي المدعوم تركيًا.

الوسوم
#مصر #سوريا #تركيا #الخليج #أحمد الشرع #مرسي #أردوغان
مقالات أخرى
حين يسبق السلاح القرار: السويداء نموذجًا لفشل الانضباط في بناء الجيوش الوطنية
المقال السابق
حين يسبق السلاح القرار: السويداء نموذجًا لفشل الانضباط في بناء الجيوش الوطنية
ملابس المتهمين والإضاءة.. قراءة تحليلية سريعة في مشاهد العملية الأمنية لوزارة الداخلية المصرية
المقال التالي
ملابس المتهمين والإضاءة.. قراءة تحليلية سريعة في مشاهد العملية الأمنية لوزارة الداخلية المصرية