لماذا يسارع الجميع للتطبيع مع الأسد؟ تحليل تحركات القوى الدولية في سوريا

بواسطة  حمزة حسن
الخميس 1 أغسطس 2024
لماذا يسارع الجميع للتطبيع مع الأسد؟ تحليل تحركات القوى الدولية في سوريا

تحتل سوريا موقعًا استراتيجيًا وعسكريًا بالغ الأهمية عند الحديث عن أي معركة مرتقبة بين إسرائيل وحزب الله، خاصة بعد عمليات الاغتيال القاسية التي نفذها الجيش الإسرائيلي مؤخرًا ضد القائد العسكري فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية. فسوريا تمثل الطريق البري الوحيد الذي يربط إيران والفصائل الحليفة في لبنان وربما إلى الداخل الفلسطيني، ما يجعلها محور ربط وخط إمداد عسكري رئيسي، فضلًا عن كونها بوابة تهديد إيراني مباشر لدول الخليج بالتنسيق مع جنوب العراق.

أما بالنسبة لإسرائيل، فإن امتداد الحدود السورية معها في الجولان المحتل يجعل من تموضع دمشق في الحرب المقبلة عاملًا حاسمًا: إما أن يكون باب نجاة لتل أبيب أو سببًا في تكبدها خسائر قاسية إذا قررت سوريا الاصطفاف مع إيران.

أوروبا تحاول إعادة الأسد للحياة السياسية

قبل شهر، اجتمع ثمانية وزراء خارجية أوروبيين (اليونان، النمسا، كرواتيا، قبرص، التشيك، إيطاليا، سلوفاكيا، سلوفينيا) لمراجعة العلاقات مع النظام السوري، وبحث سبل التعاون الإنساني وإعادة الإعمار. واقترحوا إرسال مبعوث أوروبي دائم إلى دمشق كنقطة اتصال مع النظام. وقد ترجمت إيطاليا هذا التوجه بقرار إعادة فتح سفارتها في سوريا.
هذا المسار يعكس توجهًا غربيًا لمنح الأسد شرعية دولية جديدة مقابل اصطفافه مع أوروبا وأمريكا، أو على الأقل تحييده عن أي حرب مقبلة مع إسرائيل. وحتى بعد التراجع النسبي عن خطوة السفارة، فإن فكرة المبعوث الأوروبي ما تزال قائمة.

تركيا ومحاولة العودة عبر دمشق

بدأت أنقرة في الأشهر الأخيرة بالحديث علنًا عن إعادة التواصل مع دمشق، حيث صرح وزير الخارجية التركي عدة مرات بنيّة بلاده تطبيع العلاقات مع النظام. وأرسلت أنقرة رسائل طمأنة بأنها قد تحميه من أي هجمات في حال اندلاع حرب لبنانية إسرائيلية. كما لمح هاكان فيدان إلى أن تركيا قد توقف دعمها للمعارضة إذا توصلت لاتفاق مع الأسد بشأن التعامل مع الفصائل الكردية، خاصة في ظل مؤشرات أمريكية على نية الانسحاب من الشمال السوري، مما يفتح الباب أمام عملية عسكرية مشتركة.

إيران لن تتنازل بسهولة

على مدار 12 عامًا من الصراع، كانت إيران وحزب الله العمود الفقري لبقاء الأسد في السلطة، ودفع الحزب ثمنًا باهظًا من دماء جنوده دفاعًا عنه. ومن المستبعد أن تقبل طهران بسهولة محاولات الغرب استقطاب الأسد. هذا ظهر مؤخرًا في خطاب دمشق الرسمي عقب أحداث مجدل شمس، حيث وصف وزير خارجيتها ما جرى بأنه "محاولة إسرائيلية لتوسيع العدوان على المنطقة"، في لهجة تكشف حجم التأثير الإيراني على القرار السوري.

الخليج وإعادة تأهيل الأسد

بعد مبادرة الإمارات عام 2018، تلتها السعودية ثم الكويت في إعادة فتح سفاراتها بدمشق، بدا أن هناك مسعى خليجيًا لإعادة دمج الأسد عربيًا. ويُنظر إلى هذه الخطوات كجزء من تحرك أمريكي غير مباشر عبر حلفائه الخليجيين، بهدف تحييد دمشق أو جذبها بعيدًا عن طهران. في المقابل، يبدو أن دول الخليج تحاول أيضًا حماية نفسها عبر تقديم دعم مالي للنظام، خشية رد فعل إيراني إذا بقي الأسد في محور طهران.

روسيا الرابح الأكبر

روسيا تنظر لكل هذه التحركات بمنطق "رابح في كل الحالات". فقد رسخت وجودها العسكري في سوريا عبر قاعدة حميميم، وتملك نفوذًا على النظام لا يمكن تجاوزه. إذا اتجه الأسد غربًا، فستجبر هذه الدول على التفاوض مع موسكو لتجنب ردود فعلها، خاصة في ظل علاقاتها المتينة مع إيران واحتمال توقيع اتفاق دفاع مشترك معها. وإذا بقي الأسد في المحور الإيراني، فسيكون على الغرب أيضًا التفاوض مع موسكو لضبط السلوك السوري مقابل تنازلات في الملف الأوكراني.

التحالفات المتوقعة

يمكن تلخيص السيناريوهات المستقبلية في ثلاثة احتمالات رئيسية:

  1. التحالف السوري – الإيراني – الروسي: استمرار الوضع الراهن وربما تصعيده إذا اندلعت حرب إسرائيلية لبنانية.

  2. التحالف السوري – الغربي: حصول دمشق على دعم مالي عربي وغربي، لكن مقابل مواجهة خطر الانتقام الإيراني من داخل النظام، وهو ما قد يهدد حتى حياة الأسد أو أسرته.

  3. التحالف مع تركيا: سيناريو يمنح الأسد دعمًا سياسيًا واقتصاديًا، ويبقيه في موقع شبه محايد، مقبولًا للغرب وروسيا، وإن لم يكن مرضيًا تمامًا لإيران.

الخلاصة

الأسد يقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم. أي خطأ في الاختيار قد يكلفه غاليًا، بينما القرار الصائب قد يحوله من "رئيس منبوذ" إلى حليف دولي موثوق، مع إمكانية توريث الحكم لعائلته لاحقًا إذا سمحت موسكو وطهران بذلك.

الوسوم
#حسن_نصر_الله #بشار_الأسد #أوروبا #تركيا #روسيا #بوتين
مقالات أخرى
نتنياهو بين الاعتراف بالهزيمة وصناعة انتصار وهمي: قراءة بين السطور
المقال السابق
نتنياهو بين الاعتراف بالهزيمة وصناعة انتصار وهمي: قراءة بين السطور
ما بعد معركة حماة وحلب: 3 سيناريوهات عربية للتعامل مع الثورة السورية
المقال التالي
ما بعد معركة حماة وحلب: 3 سيناريوهات عربية للتعامل مع الثورة السورية