تسليم فضل شاكر لنفسه: اختبار القوة بين حزب الله والحكومة اللبنانية الجديدة

تسليم فضل شاكر لنفسه: اختبار القوة بين حزب الله والحكومة اللبنانية الجديدة

بواسطة حمزة حسن
الاثنين 6 أكتوبر 2025

في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر 2025، دخلت لبنان في محطة جديدة ومفصلية عندما قرر الفنان فضل شاكر، بعد أكثر من أحد عشر عاماً من التواري داخل مخيم عين الحلوة في صيدا، أن يسلم نفسه طوعاً إلى مديرية المخابرات في الجيش اللبناني.وعلى الرغم من الأخبار التي سبقت ومهدت لهذا الحدث إلا أن هذه الخطوة المفاجئة لم تكن حدثاً فردياً يخص فناناً مثيراً للجدل وإنما هي تطور لافت في ملف سياسي–قضائي بامتياز يتتقاطع مع الصراع الأكبر بين الحكومة اللبنانية الجديدة بقيادة نواف سلام وحـ..ـزب الله.

فضل شاكر، الذي ارتبط اسمه منذ عام 2013 بأحداث عبرا والشيخ أحمد الأسير، أصبح اليوم في قلب اختبار جديد لن يحدد فقط مسار مستقبله الشخصي، بل أيضاً مسار العلاقة بين الدولة اللبنانية وحزب الله، وبين لبنان والمجتمع الدولي.

الأطراف المعنية

لا يقتصر حدث تسليم فضل شاكر لنفسه على كونه شأناً فردياً، بل يتقاطع مع مصالح وحسابات عدة أطراف محلية وإقليمية.
فالحكومة اللبنانية الجديدة، برئاسة نواف سلام وبدعم رئاسة الجمهورية بقيادة جوزيف عون، تنظر إلى الخطوة باعتبارها فرصة لإبراز فاعليتها واستعادة صورة الدولة القادرة على فرض القانون ومحاسبة المخطئين بعد سنوات من العجز. في المقابل، يتعامل حزب الله مع التطور بحذر بالغ، مدركاً أن أي حكم مخفف أو براءة قد تُستخدم ضده في لحظة تتعاظم فيها الضغوط لنزع سلاحه.

أما فضل شاكر نفسه، فهو يدخل هذا المشهد برهان على القضاء، آملاً في إسقاط الأحكام الغيابية وإعادة محاكمته حضورياً، ومصراً على أنه لم يشارك ميدانياً في معارك عبرا. وعلى الساحة الداخلية، تراقب القوى السياسية مثل القوات اللبنانية والكتائب، ومعها جزء واسع من الشارع السني، ما يجري بوصفه امتحاناً لهيبة الدولة وفرصة لإظهار أن الحزب لم يعد قادراً على تعطيل مسار العدالة كما كان في السابق.

إقليمياً ودولياً، يظل الموقف محط متابعة دقيقة من السعودية والولايات المتحدة وفرنسا، إذ يُنظر إلى طريقة إدارة بيروت للملف كاختبار إضافي على استقلالية القضاء ومدى قدرة الدولة على العمل بعيداً عن هيمنة حزب الله.


كيف يرى كل طرف المشهد؟

ينفتح حدث تسليم فضل شاكر لنفسه على أكثر من زاوية قراءة، حيث تتقاطع الحسابات بين حزب الله، الحكومة اللبنانية الجديدة، والفنان نفسه.

من منظور حزب الله، يجد الحزب نفسه أمام معضلة دقيقة. فأي براءة أو حكم مخفف بحق شاكر قد يُقرأ كضربة معنوية له، بعدما ظل لسنوات يصفه عبر إعلامه بأنه "إرهابي متورط ضد الجيش". في المقابل، قد يحاول الحزب تحويل الموقف إلى ورقة مناورة، مظهراً أنه لا يتدخل في القضاء، أو حتى موحياً بانفتاحه على المصالحة مع الشارع السني. لكن الخطورة تكمن في أن يُستغل الملف من جانب خصومه كدليل على أن نفوذه على القضاء والسياسة بدأ يتراجع، خصوصاً بعد الضربات التي تلقاها مؤخراً بمقتل أمينه السابق حسن نصر الله.

أما من منظور الحكومة اللبنانية الجديدة، فإن الخطوة تمثل فرصة ثمينة. حكومة نواف سلام ورئاسة جوزيف عون يمكن أن تقدما المشهد كإنجاز داخلي، يعكس عودة الدولة إلى الإمساك بملفات أمنية وقضائية معقدة لطالما فشلت الحكومات السابقة في معالجتها. وعلى المستوى الخارجي، فإن التسويق لهذا الحدث كدليل على استقلالية القضاء وتراجع نفوذ حزب الله قد يفتح الباب أمام دعم سعودي–أمريكي–أوروبي أكبر، خصوصاً في ملف نزع سلاح الحزب. لكن التحدي الأكبر أمام الحكومة يبقى في إدارة الملف بميزان دقيق: فرض العدالة من دون إشعال مواجهة مباشرة مع الحزب.

ومن منظور فضل شاكر نفسه، فإن ما حدث هو بمثابة رهان شخصي على أن الظروف السياسية والقضائية تغيرت. بحسب ما نقلته سكاي نيوز عربية، رأى شاكر أن العهد الرئاسي الجديد والتشكيلات القضائية الأخيرة حدّت من تدخلات الحزب في المحكمة العسكرية، وهو ما شجعه على مواجهة قدره بثقة. وهو يعول على أن المحاكمة الجديدة ستؤكد أنه لم يكن مقاتلاً في معارك عبرا، بل مجرد متعاطف مع الثورة السورية. المعطيات الحالية ترجح أن يصدر حكم مع وقف التنفيذ، وربما براءة، وهو ما قد يُنهي ملفه قبل نهاية عام 2025. في هذا السيناريو، يفتح أمامه الباب للانتقال إلى السعودية حيث تنتظره عقود فنية وفرص عمل قد تعيد إطلاق مسيرته بعيداً عن لبنان.


السيناريوهات المحتملة

يصعب التعامل مع قضية فضل شاكر باعتبارها مجرد ملف قضائي محدود، فهي تتجاوز ذلك لتفتح الباب أمام جملة من المسارات السياسية المحتملة التي قد تعيد رسم بعض معالم التوازن الداخلي في لبنان.
فأحد هذه المسارات يقوم على أن يترك حزب الله القضية بين يدي الحكومة والقضاء، في محاولة لإعطاء الانطباع بأن الدولة استعادت شيئًا من زمام المبادرة. هذا الشكل من المشاركة الرمزية قد يُقدَّم كـ"قربان سياسي" يسمح للحزب بالتنفس في لحظة ضاغطة، بينما يمنح الحكومة فرصة لتسويق نفسها أمام الداخل والخارج كقوة قادرة على فرض القانون.

في المقابل، يمكن أن يُوظَّف الملف كجسر للتقارب مع الشارع السني، إذ قد يختار الحزب عدم عرقلة محاكمة شاكر، بل حتى الإيحاء بأنه لا يمانع إنصافه، ليبعث برسائل مصالحة صامتة يحتاجها في ظل التوتر مع الحكومة السورية الجديدة ومع استمرار المواجهة مع إسرائيل.

أما إذا خرج شاكر بأحكام مخففة أو ببراءة، فقد يُقرأ ذلك كدليل على أن القضاء يعمل باستقلالية نسبية، وهو ما يضعف صورة حزب الله باعتباره سلطة فوق الدولة، ويهدئ من بعض الاحتقان الداخلي. لكن في مقابل هذا السيناريو الإيجابي، يبقى احتمال التصعيد قائمًا، إذ يمكن لقوى مثل القوات اللبنانية والكتائب أن تستغل اللحظة لتكثيف خطابها ضد الحزب، معتبرة أن الوقت مناسب لزيادة الضغط في ملف السلاح، وهو ما قد يحمل بذور مواجهة سياسية وربما ميدانية تحاول البلاد تجنبها.

على المستوى الإقليمي، فإن أي إشارة إلى تراجع قبضة الحزب على القضاء قد تتحول إلى أداة لمزيد من الضغوط العربية والدولية، لتصبح قضية شاكر جزءًا من لعبة أوسع تُدار في الإقليم. وإذا انتهت المحاكمة بسرعة ببراءة أو بأحكام مع وقف التنفيذ، فإن كثيرين قد يفسرون ذلك كجزء من تسوية غير معلنة، تُتيح للحكومة إظهار حضورها، وللحزب التنازل في ملف رمزي من دون خسارة موقعه الفعلي.

ما الذي ينبغي مراقبته في المرحلة المقبلة؟

تسليم فضل شاكر نفسه ليس خاتمة القصة، بل بدايتها. فالمحاكمة المقبلة ستشكل مقياساً لمدى استقلالية القضاء في ظل الحكومة الجديدة، وستكشف إن كان لبنان قد بدأ يخطو فعلاً نحو استعادة الدولة لزمام المبادرة. في الوقت نفسه، فإن طريقة تعامل حزب الله مع الملف، سواء بالتصعيد أو بالصمت، ستوضح إلى أي مدى يشعر بتهديد حقيقي من هذه القضية. أما على مستوى الشارع، فإن الانقسام الشعبي الحاد بين من يعتبر شاكر مظلوماً ومن يراه مسؤولاً سيبقى بمثابة مرآة لانقسام أعمق حول الحزب نفسه ودوره في الدولة. إقليمياً، سيُنظر بعين الاهتمام إلى الموقف السعودي، خصوصاً إذا انتقل شاكر فعلاً إلى الرياض لمزاولة نشاطه الفني هناك، ما سيجعل من قضيته رمزاً إضافياً لعودة النفوذ السعودي الناعم في لبنان. وعلى المستوى الدولي، يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كانت الولايات المتحدة وأوروبا ستتعامل مع القضية كملف محلي، أم أنها ستستخدمها كورقة إضافية في ضغوطها على حزب الله وسلاحه.


الخاتمة
ما جرى في الرابع من أكتوبر لا يمكن قراءته فقط كخطوة فردية من فنان مثير للجدل، بل كإشارة إلى أن لبنان يقف مجدداً أمام مرآة صراعه المزمن بين منطق الدولة ومنطق الميليشيا. فالمحاكمة المنتظرة لفضل شاكر ليست نهاية مسار بل بدايته، اختباراً لقدرة الحكومة على إثبات استقلالها، ولمدى استعداد حزب الله لقبول قواعد جديدة للّعبة الداخلية. ومع دخول السعودية على خط القصة، يزداد البعد الإقليمي حضوراً، ليصبح شاكر رمزاً صغيراً في معادلة أكبر بكثير من حياته الفنية أو القضائية. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل سيكون هذا التسليم بداية لتكريس دولة القانون، أم مجرد محطة عابرة في مسرح المناورات اللبنانية المفتوح؟


مقالات أخرى
الحرس الثوري: بين حماية السلطة وسقوط الرؤساء – دراسة حالة مرسي والشرع
المقال السابق
الحرس الثوري: بين حماية السلطة وسقوط الرؤساء – دراسة حالة مرسي والشرع
الخطة الأميركية: من مواجهة فلسطينية – إسرائيلية إلى صراع عربي – عربي
المقال التالي
الخطة الأميركية: من مواجهة فلسطينية – إسرائيلية إلى صراع عربي – عربي