ماذا أراد أن يقول السيسي في الأكاديمية العسكرية

ماذا أراد أن يقول السيسي في الأكاديمية العسكرية

بواسطة حمزة حسن
السبت 27 سبتمبر 2025

لا تعد الأكاديمية العسكرية التي أنشأها السيسي داخل مركز قيادة الدولة الإستراتيجي بالعاصمة الإدارية الجديدة مجرد مؤسسة تعليمية، بل منصة لإرسال رسائل سياسية وعسكرية دقيقة، ومركزًا للتوجيه وإدارة الأزمات. ولهذا لم تكن زياراته إليها في أي وقت إجراءً تفقديًا عابرًا أو خطابًا روتينيًا أمام الطلاب، بل تحريكًا مدروسًا للرموز العسكرية ورصًا للصفوف، واستثمارًا لرمزية الجيش في توجيه رسائل مزدوجة، داخلية وخارجية، تخدم هدفًا واضحًا: تثبيت السلطة وترسيخ شرعية النظام.

الأكاديمية كرمز وقاعدة استراتيجية
اختيار الأكاديمية بالعاصمة الإدارية الجديدة لإطلاق الخطابات لم يكن عشوائيًا؛ فهي بالنسبة للسيسي رمز للسلطة وواجهة لنظامه. هناك يستعرض طلاب الأكاديمية والضباط كدليل على الانضباط والولاء له، ويحرص على بدء الزيارة بصلاة الفجر ليضيف بعدًا دينيًا يمنحه شرعية مزدوجة: دينية وعسكرية.
وغالبًا ما تأتي هذه الزيارات في أوقات الأزمات، سواء كانت اقتصادية أو إقليمية أو داخلية، لتتحول الأكاديمية إلى منصة يعاد عبرها صياغة الواقع السياسي والاجتماعي في ذهن المصريين، مع رسالة أساسية: الدولة تحت السيطرة والجيش خلف رأس النظام. لكن خلف هذه الاستعراضات يبقى المعنى الأعمق: السيسي في مثل هذه اللحظات يطمئن نفسه قبل أن يطمئن مؤيديه وداعميه.

ملامح من الخطاب

ظهر السيسي في خطابه وكأنه يدرك أن زيارته للأكاديمية ليست موجهة حقًا لطلابها، بل للرمزية التي تمثلها، حيث يستغلهم كواجهة لتوصيل رسائله. ثم حاول في البداية أن يضفي طابعا رسميا ووديا عبر التأكيد المتكرر على أن هدفه "الاطمئنان على الاستعداد والكفاءة التعليمية"، لكنه سرعان ما ينتقل ليكشف عن جوهر الفكرة المتمثلة في أن الأكاديمية لم تعد مخصصة للعسكريين وحدهم، بل أداة لبناء "عقلية الشعب المصري" وفق تصوراته، أي أنها منصة لتطويع المجتمع بأكمله تحت إشراف الجيش.

كما بدا عليه التردد وهو يتنقل بين أوراقه ليجمع خيوط كلمته، حتى أنه توقف قائلا "فدي بداية الكلمة تحية وتقدير واعتزاز"، وكأنه يعترف ضمنيًا بأن حضوره ليس خطابًا ارتجاليًا بل رسالة مدروسة فقد التركيز قليلا خلال القائها. ثم عاد بعد ليؤكد حقيقة الزيارة بأن الأكاديمية هي المكان الأنسب لتوجيه الرسائل إلى الشعب، مما يعكس إدراكه لقيمة هذه المنصة في تثبيت صورته السياسية.


الرسائل السياسية

لقد حاول السيسي من خلال كلمته في الأكاديمية أن يوضح ويعيد تأطير الخريطة السياسية لنظامه في المرحلة الحالية والتي لم تختلف كثيرا في واقع الأمر عن كل التأطيرات السابقة حيث أعاد : 

تبرير الأزمات الاقتصادية مرة أخرى بعد ذكر أن مصر خسرت فقط بسبب الحرب على غزة والتي أسماها تحديات إقليمية  نحو ٩ مليارات دولار من إيرادات قناة السويس خلال العامين الماضيين، ليعد مرة أخرى تكرار نغمة تبرير الأزمات الإقتصادية المصرية وربطها بالأحداث العالمية بدءا من كورونا وما تلاها انتهاء بحرب غزة، وهي محاولة لا ينفك يستعملها السيسي لتحويل المسؤولية عن النتائج الاقتصادية الهزيلة إلى الخارج بدل مواجهة الانتقادات الداخلية وتحميل حكوماته المتعاقبة نتيجة الفشل الاقتصادي مع الاستمرار في الطلب من الشعب بأن يصبر ويعمل.

إعادة تسمية المعارضة والتي شملت وصفه لما جرى من حراك سلمي أمام بعض السفارات المصرية بالخارج، مثل هولندا، بـ "الاعتداءات"، ذلك الوصف الذي يعكس تكتيكا متعمدا لإعادة تسمية الاحتجاجات السلمية للمعارضين بالتهديد بهدف خلق تهديد داخلي مزيف عبر تحويل نشاط سياسي طبيعي وسلمي إلى "أعمال عدائية". 

هذا التلاعب بالخطاب الإعلامي يضمن ويؤكد أن أي احتجاج يظهر سيقوم النظام باعتباره تهديدا مباشرا للدولة، مما يبرر الإجراءات الأمنية القمعية داخليا وخارجيا.

التحكم في الخطاب الإقليمي: يحافظ السيسي ونظامه على عدم ذكر أسماء الدول أو القادة إذا كان الكلام موجها في دائرة النقد خصوصا عندما تكون هذه الدولة إسرائيل،فالسيسي لم يذكر إسرائيل بسوء خلال كلمته، مكتفيًا بقول "دولة ما" أو "دولة"، بينما في حالة الثناء تجده يذكر أسماء الدول أو القادة بشكل صريح كما فع في كلامه عن ترامب وأمريكا. 

هذه الانتقائية في ذكر الأسماء تظهر حذر هذا النظام في التعامل مع القوى الإقليمية والدولية، والحفاظ على تحالفات استراتيجية حتى في أحلك الأوقات مع الاكتفاء بتوجيه النقد داخليا بطريقة دقيقة ولطيفة.

الرسائل العسكرية واستجداء الولاء

في الكثير من جوانب اللقاء وخصوصا خلال كلامه عن الأكاديمية والضباط وتوجيه التعليمات لهم: حمل الخطاب رسائل عميقة تجاه المؤسسة العسكرية منها :

  • كلمات السيسي بأن طلاب الأكاديمية هم أمل مصر وقادة المستقبل ليست مجرد كلمات تحفيزية عابرة وإنما رسائل واضحة بضرورة التأكيد على استمرار الولاء لنظامه كشرط لاستقرار الدولة وتلقينهم هذا الدرس والتأكيد عليه أكثر من مرة، مما يجعل كل ضابط أو جندي يستمع لهذا الخطاب يفهم أن دوره يتجاوز التدريب العسكري ويتخطاه ليصبح جزءًا من النظام السياسي واستراتيجية السيطرة.

  • دعوة السيسي ضباط الاكاديمية بضرورة نشر "الوعي" في محيطهم وليس فقط في عائلاتهم تعكس استراتيجية توسيع نفوذ المؤسسة العسكرية إلى المجتمع المدني وأهميتها بالنسبة للنظام المصري وتوسيع دور الجيش من حماية الدولة عسكريا من التهديدات الخارجية ليشمل ضبط وتوجيه الرأي العام الداخلي، وجعل العسكر أداة أيديولوجية وسياسية.

  • الخطاب يؤكد كذلك على استمرار سعي السيسي في  عسكرة المجتمع بالكامل والأكاديمية وسيلة مهمة لذلك عبر جعلها المنصة التي يحصل منها المعلمين والأطباء وغيرهم على ختم الجودة من النظام عبر خضوعهم لدورات تأهيلية قبل التعيين لضمان توافقهم مع النظام وأيديولوجيته. كل هذه الإجراءات ترسخ فكرة أن الدولة والجيش مرتبطان ارتباطا وثيقا، وأن الولاء للنظام هو جزء لا يتجزأ من وظيفة أي موظف أو ضابط أو جندي.

رمزيات ودلالات سياسية خاطفة 

  • يحاول السيسي المحافظة على صلاة الفجر مع الطلاب خلال هذه الزيارات ليضيف طابعا دينيا ورسميا، يعزز فيه صورته الدينية لارضاء طائفة معينة من الشعب ومحاولة التأكيد على الولاء الديني والوطنية.

  • الصلاة بشكل منفرد - قطع الصف - ومنع وقوف أي أحد بجواره مباشرة خلافا لما عليه السنة، تؤكد على خوفه الشديد من حوادث قد تحدث له خلال الصلاة أو ربما محاولة للتأكيد على قوته وسطوته وتحديه حتى لمبادىء الصلاة.

  • الثناء على الشباب باعتبارهم "أمل المستقبل" هي رسالة للجمهور المدني، مفادها أن هناك جيلا مستعدا لدعم النظام ومؤسساته، وبالتالي تهدئة أي قلق داخلي حول استمرارية السلطة.

ويبقى السؤال : هل تكفي هذه الزيارات لتعزيز استقرار النظام وسط الأزمات الاقتصادية والسياسية؟ أم أن الرسائل الرمزية للجيش تخفي هشاشة المشهد السياسي في مصر؟


الوسوم
السيسي،الأكاديمية العسكرية
مقالات أخرى
تصريحات توماس باراك: قراءة في دلالات الرسالة الأميركية للمنطقة
المقال السابق
تصريحات توماس باراك: قراءة في دلالات الرسالة الأميركية للمنطقة
الحرس الثوري: بين حماية السلطة وسقوط الرؤساء – دراسة حالة مرسي والشرع
المقال التالي
الحرس الثوري: بين حماية السلطة وسقوط الرؤساء – دراسة حالة مرسي والشرع