لماذا لن تتخلى روسيا بسهولة عن سوريا؟ قراءة في حسابات موسكو الاستراتيجية

مهما بدا أن روسيا قد تخلّت عن بشار الأسد مؤخرًا، فلا يمكن لأي قارئ سياسي واعٍ أن يتصور أن هذا التخلي سيعني تسليمها بسهولة لمركز نفوذها الأهم في التاريخ الحديث على البحر المتوسط، وبالقرب من واحدة من أكثر المناطق اشتعالًا في العالم: المنطقة العربية والخليج تحديدًا.
الوجود الروسي في سوريا لم يكن يومًا مرتبطًا بشخص بشار الأسد، بقدر ما كان مرتبطًا بهدف أكبر وأعمق: أن يكون لروسيا موطئ قدم بري وعسكري ثابت على البحر المتوسط، يتيح لها التأثير المباشر في الأحداث الساخنة بالمنطقة، ويمنحها أوراق ضغط دائمة على الغرب وأمريكا وحتى الصين.
لهذا السبب، يتحرك ثوار سوريا بذكاء حتى الآن، ويتجنبون ويتجنبون عمدًا التحرك في مناطق مثل طرطوس واللاذقية، لأنهم يدركون تمامًا أن الاقتراب من تلك القواعد يعني الدخول في صدام مباشر مع روسيا، التي تعتبرها خطًا أحمر استراتيجيًا، مهما كان موقفها من الأسد أو من بقية النظام.
روسيا قد تظهر خلال الأيام القادمة وكأنها تتراجع عن دعم الأسد، لكنها في العمق لن تتخلى عن مصالحها الكبرى إلا إذا ضمنت من تركيا أو حتى من المعارضة السورية نفسها اتفاقات صلبة تضمن بقاء نفوذها وتمنع انتقال القرار السوري بشكل كامل إلى خصومها.
لذلك، لا يمكننا البناء على المواقف الروسية الظاهرة الآن، لأن الكلمة الفصل في سوريا - بالنسبة لروسيا - لم تُقال بعد، والخطر الحقيقي على مصالحها لم يقترب بعد بما يكفي لتكشف عن أوراقها الحقيقية.
حمزة حسن