معركة رفح الحالية: نتنياهو بين التصعيد في الشمال والضغوط الأمريكية

شهدت الأشهر الأخيرة تصعيدًا خطيرًا في الصراع بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس في غزة، حيث زادت التوترات مع دخول حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن على خط المواجهة، مما عقد المشهد الإقليمي بشكل أكبر.
ورغم أن تدخل حزب الله في الشمال ظل محدودًا نسبيًا خلال الأشهر الثمانية الماضية، إلا أن وفاة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته جاءت لتشعل التوتر، على الرغم من إعلان طهران أن الحادث عرضي وليس مدبرًا، لكن كما هو الحال في مثل هذه الأحداث، ليس كل ما يعلن يُصدق.
بعد أحداث السابع من أكتوبر، والتي بدأت بتوغل حماس في مستوطنات غلاف غزة وأسر رهائن إسرائيليين ردًا على الانتهاكات بحق الفلسطينيين، صعّدت إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة والضفة الغربية، ونفذت اغتيالات استهدفت قادة من حزب الله رغم أن تدخل الحزب كان في بدايته محدودًا، إذ استهدف معدات عسكرية فارغة. لكن حادث الطائرة الإيرانية أضفى بعدًا إضافيًا للتوتر.
توجهان متباينان في إسرائيل
يبدو أن هناك تيارين متعارضين داخل إسرائيل في التعامل مع الصراع:
الأول: التصعيد نحو الحرب
هذا التوجه تدعمه شخصيات بارزة مثل نتنياهو ووزير الدفاع غالانت ورئيس الأركان هاليفي. فشل الوساطة الأمريكية التي قادها هوكشتاين في لبنان لخفض التصعيد يعكس هذا الاتجاه. ويرى هذا الفريق أن الحرب وسيلة لتوحيد الجبهة الداخلية الإسرائيلية وصرف الأنظار عن الإخفاقات السياسية والعسكرية التي كشفتها عملية "طوفان الأقصى"، إضافة إلى حماية نتنياهو شخصيًا من أزمات قضائية وسياسية تهدد مستقبله.
الثاني: التهدئة واحتواء الصراع
هذا التوجه، الذي يحظى بدعم بعض القادة السياسيين والعسكريين، يسعى لتجنب حرب شاملة قد تكون عواقبها كارثية على إسرائيل والمنطقة. تعكسه الضغوط الأمريكية المتزايدة، إذ تسعى واشنطن إلى تهدئة المنطقة حماية لمصالحها، وفي الوقت نفسه لتعزيز موقف الرئيس بايدن قبيل الانتخابات الأمريكية المقبلة.
معركة رفح
تحت ضغط داخلي وخارجي متزايد، بدأ نتنياهو عملية عسكرية موسعة في رفح منذ 21 يونيو، في محاولة للقضاء على ما تبقى من قدرات حماس هناك قبل التفكير في أي مواجهة بالشمال. وتشير المؤشرات إلى أن تل أبيب كانت تخطط لحرب مع حزب الله، لكن الضغوط الأمريكية جعلتها تركز أولًا على إنهاء ملف غزة سريعًا.
وتزايدت التوقعات باندلاع حرب في لبنان مع بدء السفارات الأجنبية تحذير رعاياها بالمغادرة، لكن السيناريو الأكثر ترجيحًا يبدو أنه محاولة إنهاء معركة رفح ثم الانتقال إلى عمليات محدودة، مثل الاغتيالات والضربات النوعية، بدلًا من حرب شاملة شمالًا.
السيناريوهات المحتملة
يبقى السؤال: هل ستخدم هذه الاستراتيجية مصالح نتنياهو وفريقه، أم أن إيران وروسيا ستسعيان لجر المنطقة إلى صراع أوسع يضعف الدعم الغربي لأوكرانيا ويعزز نفوذ موسكو في الشرق الأوسط؟ التخبط الواضح في القرارات الإسرائيلية يجعل كلا السيناريوهين قائمًا، لكن الاحتمال الأقوى في المدى القريب هو التوجه نحو التهدئة لا التصعيد.
الخاتمة
الصراع الحالي لا يمكن فصله عن التعقيدات الإقليمية والدولية؛ فالتداخل بين معركة غزة، وضغوط حزب الله والحوثيين، والتنافس الروسي الأمريكي، كلها عوامل تجعل المنطقة على حافة مواجهة شاملة. ومع ذلك، فإن الضغوط الدولية على إسرائيل قد تجعل سيناريو الهدوء أكثر ترجيحًا، ولو مؤقتًا، في انتظار ما ستكشفه الأسابيع المقبلة.