التموضع الروسي الجديد في سوريا: تحالف موسكو مع قسد

التموضع الروسي الجديد في سوريا: تحالف موسكو مع قسد

بدأت روسيا في إعادة التموضع في سوريا مرة أخرى، ولكن هذه المرة عبر لعب الدور نفسه الذي كانت تلعبه الولايات المتحدة طيلة السنوات الماضية، حين كانت روسيا هي الحليف للنظام آنذاك.

اليوم، ومع تغيّر النظام وقدوم نظام حليف لأمريكا، أو على الأقل مدعوم أمريكيًا لتنفيذ المهام المطلوبة منه، وإعلان هذا النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع - بطرق غير مباشرة - أن روسيا لم يعد لها مكان في الدولة السورية الوليدة، لم تجد روسيا أمامها سوى اللجوء إلى الطريق الطويل، والاعتماد مجددًا على أدواتها القديمة في المنطقة، وربما التحالف مع "قسد"، التي بدا جليًا أن إدارة ترامب لم تعد مهتمة ببقائها كقوة فيدرالية منفصلة - على الأقل حتى الآن.

سقوط الأسد: كيف فشلت العصا والجزرة الغربية؟

كان النظام الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى مدار عقود سيطر فيها نظام البعث على سوريا، يلعب دورًا هامًا في عرقلة تحركات نظام الأسد في بعض ملفات السياسة الخارجية التي تمس مصالح أمريكا وحلفائها في المنطقة، كإسرائيل وبعض الأنظمة العربية.

وقد حاولت الأنظمة الغربية استمالة بشار الأسد كثيرًا، لدفعه إلى التحول من الجانب الروسي إلى الأمريكي، عبر تقديم الوعود والحوافز الأحادية، ولكن بشار الأسد أبى أن يلتقط هذه "الجزرات".

في المقابل، كانت "العصا" الغربية تعمل من خلال القانون الدولي والمحاكم الدولية لملاحقة بشار الأسد ونظامه، إلى جانب فرض العديد من العقوبات الفردية والجماعية على النظام وداعميه.

ورفض بشار الأسد الانحياز للغرب، مفضلًا البقاء في العباءة الروسية لأسباب تتعلق بنظامه وبحجم سيطرة روسيا على مفاصل الدولة السورية خلال سنوات الثورة، ما جعل الخروج من هذا التحالف أمرًا شبه مستحيل. وقد دفع ثمن ذلك لاحقًا، عبر سقوط نظامه في معركة "ردع العدوان"، التي انهارت فيها قواته أمام تحالف من الفصائل الثورية والإسلامية، مما مهّد الطريق لتولي أحمد الشرع السلطة، وإعلان تحول سوريا إلى المعسكر الغربي.

النظام الجديد يصد موسكو: عرض غير مقنع

حاولت روسيا، خلال الأشهر الأولى من حكم أحمد الشرع، التواصل مع النظام الجديد، وأعلنت استعدادها لدعمه في تحقيق أهدافه ضمن شراكات محتملة. إلا أن الشرع تجاهل هذه المبادرات، وتحدث إعلاميون محسوبون عليه عن ضرورة تسليم بشار الأسد كشرط للدخول في أي مفاوضات.

برأيي، كان هذا الشرط مجرد مناورة مدروسة من قبل النظام الجديد، لإدراكه المسبق بأن روسيا لن توافق على تسليم الأسد، وبالتالي كان ذريعة للرد غير المباشر على محاولات موسكو.

الموقف الشعبي السوري يتحكم في الوضع

ربما لم تدرك موسكو أن معظم الشعب السوري لا يزال يحتفظ بذاكرة مؤلمة من التواجد الروسي، خاصة بعد دعمها الكامل للأسد خلال عشر سنوات خلفت مئات الآلاف من القتلى والمفقودين. وبالتالي، فإن الحكومة الجديدة في سوريا لا تملك ترف مخالفة رغبات الشارع، لا سيما أن كثيرًا من قيادات النظام الجديد خرجت من رحم الفصائل التي تضررت مباشرة من القصف الروسي.

قسد بين واشنطن وموسكو: الورقة الرابحة

في زيارته الأخيرة إلى سوريا، تحدث المبعوث الأمريكي توم باراك عن ضرورة تخلي "قسد" عن التفكير الانفصالي، والانخراط في تنفيذ الاتفاقات التي وقّعتها مع حكومة الشرع قبل عدة أشهر. جاءت هذه التصريحات بعد فشل اللقاءات بين الجانبين في الوصول إلى آلية لتفعيل هذه الاتفاقات.

وقد عكست هذه التصريحات تراجع أهمية "قسد" بالنسبة لأمريكا، خصوصًا بعد أن أصبح لديها حليف رسمي يتولى الحكم في دمشق. فقد كانت "قسد" ورقة أمريكية في وجه النفوذ الروسي زمن الأسد، أما اليوم، فلم يعد هناك ما يبرر الإبقاء عليها في ظل وجود حكومة صديقة و"مطيعة".

موسكو تمد يدها لقسد: تحالف الضرورة؟

يبدو أن روسيا التقطت هذه التحولات، وبدأت بالتواصل مع "قسد" لعرض دعم سياسي وربما عسكري، بعد أن تخلّت عنها واشنطن. وفي ظل وجود عدد كبير من الضباط والعسكريين الموالين لبشار الأسد في مناطق سيطرة "قسد"، قد تبدو المحاولة الروسية فعّالة بدرجة كبيرة.

وبرأيي، فإن "قسد" قد تنظر بجدية في هذا العرض طالما أنه يخدم أهدافها الانفصالية، حتى إن جاء من خصمها السابق.

مكايدة سياسية بأسلوب روسي معتاد

في خطوة رمزية، أعلنت روسيا مؤخرًا اعترافها بالنظام الأفغاني بقيادة طالبان، رغم أن الحركة كانت مصنفة كتنظيم إرهابي دوليًا. ويبدو أن هذا القرار جاء كرد فعل على إعلان واشنطن رفع العقوبات عن النظام السوري الجديد، الذي يعدّ أقل تمسكًا بالأيديولوجيا الجهادية من طالبان.

هذه المقاربة غير المنطقية لا يمكن فهمها إلا في سياق المكايدة السياسية، ومحاولة إشغال النظام السوري الجديد بقضايا جانبية، وربما حشد تعاطف بعض الدول المؤيدة لموسكو لدفعها إلى الضغط مجددًا لفرض عقوبات على النظام الجديد.

وقد بدأت روسيا بالفعل بتحريك قضايا قانونية دولية ضد الحكومة السورية الجديدة، تتعلق بانتهاك بعض الاتفاقات الموقعة مع النظام السابق، وعلى رأسها ملف الديون المستحقة لروسيا.

وتشير المعلومات إلى بدء التعاون الفعلي بين روسيا و"قسد"، خصوصًا في مجال استخدام المطارات، وأبرزها مطار القامشلي، الذي شهد نشاطًا لافتًا خلال الأيام الماضية، مما يدل على دخول العلاقة مرحلة جديدة وجدية.


حمزة حسن

الوسوم
#سوريا #روسيا #بوتين #بشار الأسد #أحمد الشرع #طالبان
مقالات أخرى
حريق سنترال رمسيس في مصر: كارثة تقنية أم هجوم إلكتروني متقدم؟
المقال السابق
حريق سنترال رمسيس في مصر: كارثة تقنية أم هجوم إلكتروني متقدم؟