السلم الأهلي في سوريا: مصالحة أم إعادة إنتاج لنظام الأسد؟

الثلاثاء 10 يونيو 2025

السلم الأهلي في سوريا: مصالحة أم إعادة إنتاج لنظام الأسد؟

أحمد الشرع بين مطرقة الاعتراف الدولي وسندان الغضب السني!

يشهد الشارع السوري حالة من الغضب المتزايد، فعمليات الإفراج المتتالية عن ضباط وعناصر نظام بشار الأسد دون محاكمات، بحجة "السلم الأهلي" وعدم ثبوت التورط في الدماء، تزيد من الاحتقان. في المقابل، تظهر فيديوهات للمفرج عنهم، مما يعمق حالة الصدمة والغليان في بلد لم يتعافَ بعد.
تتوالى محاولات عائلات الضحايا لتقديم شكاوى قضائية ضد من يعتقدون بتورطهم في قتل أو إخفاء أبنائهم، لكن الرد الرسمي عبر القنوات القضائية والأمنية في سوريا يأتي دائماً برفض تلك الدعاوى قانونياً.
ليس من الواضح حتى الآن ما ستؤول إليه الأحداث في سوريا مستقبلا لكن لا يبدو أنها ستتجه إلى حل يرضي كل الأطراف مهما حاولت الحكومة الجديدة بقيادة أحمد الشرع الوصول إلى هذه المرحلة.
على صعيد، لو اختارت الإدارة الانتقالية السورية الحالية إقامة محاكم قضائية أو ثورية ضد عناصر النظام السابق (خاصة وأن معظم القيادات تنتمي لخلفيات طائفية مختلفة يغلب عليها الطائفة العلوية)، فقد يُنظر إلى الحكومة السورية كحكومة طائفية من قبل النظام الدولي، الذي يرى تفريقاً في التعامل مع الضحايا. وفي نفس الوقت، قد تظهر مظلومية جديدة لطرف الأقليات، مما قد يدفع البلاد للعودة إلى حالة أمنية مضطربة لضبط النظام، وهو ما قد يعيد سوريا إلى نموذج يشبه نظام حافظ الأسد وابنه بشار.
وعلى النقيض وكما هو الحال حاليا حيث تقوم الحكومة الإنتقالية بإعادة تنظيم أوراق عناصر النظام السابق ضمن دائرة العفو العام مما يجعل الطرف الأصلي صاحب المظلمة الحقيقية ومعظمهم من السنة في حالة غليان شديدة حيث أن أملهم في الثورة كان متمثلا في التخلص من نظام بشار ومعاقبة عناصره وقد ظهر هذا جليا في انتماء الكثير من الثوار لتنظيمات إسلامية خلال سنوات الثورة.
لقد اختار نظام الشرع أن يعمل على تهدئة الوضع بالتطبيع مع نظام بشار القديم اعتمادا على أن الطائفة السنية موالية له وستصبر عليه كما أن بإمكانه أن يصبرهم بفتاوى وبعض الكلمات الرنانة والدعاية الإعلامية التي تنجح كثيرا مع تلك الطائفة كما هو الحال في مصر مثلا , بينما في نفس الوقت يلتفت الى مهادنة عناصر النظام السابق والاستعانة بهم داخليا لضبط الأمن نظرا لخبرتهم السابقة في ذلك, لكن يبقى السؤال : ما الذي أوصل نظام الشرع الحالي الى هذه النقطة وهذا النوع من التعامل؟
وللإجابة عن هذا السؤال سنحتاج الى أن ننظر إلى عدة نقاط حيث هي النقاط الأبرز والأهم في الوضع السوري وهذه النقاط هي : الحالة الحدودية والجيران المتأهبون للانقضاض على النظام الجديد, النظام العالمي والتوصيف القديم للشرع وجماعته بأنهم جماعات إرهـ….ـابية , ثالثا وهو الأهم عدم وجود جهاز استخباري لدى أحمد الشرع.

الحالة الحدودية والجيران :

سوريا ومنذ إنشائها بالشكل الجديد تقع في دائرة حدودية شديدة الخطورة نظرا لاختلاف وتنوع جيرانها على طول شريطها الحدودي ما بين السنة والدروز والشيعة والكيان الإسرائيلي.
كل هذه الحدود جعلت من الواجب على حكومات سورية أن تتبنى نظاما شرسا في التعامل مع جيرانه سواء سياسيا أو عسكريا حيث اضطرت سوريا الى احتلال لبنان من أجل تجنيب سوريا نفسها المشاكل التي ستأتي إليها من #لبنان عبر تصدير تلك المشاكل اليها بالاضافة الى تعاملها الحذر دوما مع العراق و الأردن اعتمادا على الوضع الأقليمي بينما لديها أجزاء كبيرة من جنوبا يرزح تحت الاحتلال الإسرائيلي.
والداخل السوري لا يختلف كثيرا عن الخارج فهي دولة فسيفساء طائفية متنوع وعرقي أيضا.
وبالنظر الى هذا الشكل وتلك التركيبة الحدودية والداخلية سيكون من المهم جدا الوصول الى نقطة أن النظام السوري أيا كان سيضطر الى أن يقسوا على طائفة من تلك الطوائف من أجل الاستمرار في الحكم ولن يجد أي نظام في العالم أفضل من الطائفة السنية التي تعاني من ضعف الدعم الدولي والإقليمي , حيث تلاحق تهم الإرهاب كل من ينتمي الى هذه الطائفة دون غيرها طالما أنه معارض للمجرى الدولي.

تبييض السجل والماضي

يقع نظام الشرع خصيصا تحت إطار ضغط دولي وعالمي نظرا لكونه انحدر من جماعتين مصنفتين على قوائم الإرهاب كما أنه نفسه ومعظم رجالات إدارته كانوا تحت ذلك التصنيف لسنوات عديدة حتى أن فصيلة الذي قاتل في معارك التحرير لايزال يخضع لذلك التصنيف وتُجرى عمليات استهداف لعناصره حتى اليوم من قبل قوات التحالف بقيادة أمريكا.
هذا النوع من الضغط يجعل النظام السوري مضطرا إلى أن يثبت أنه قد تغير جذريا عن السردية السنية و المظلومية السنية التي قام فصيلة وجماعته بالأساس عليها بل ويجب عليه محاربة كل من يقول بهذه السردية لإثبات أنه قد تغير مما يجعله يصل الى نتيجة حتمية بضرورة الوصول إلى مهادانات وتحالفات مع الأقليات على حساب الطائفة السنية ومحاولة تطويع تلك الطائفة كما كانت من قبل تحت ادارة بشار أو حافظ ومن سبقه.

الاستخبارات عصب النظام

إن المشكلة الكبرى التي وقعت فيها غالبية الجماعات الإسلامية التي وصلت إلى الحكم هي عدم وجود جهاز استخباري لديها يعمل على جمع المعلومات والاستعداد للحظة التي يصلوا فيها إلى الحكم, وهو ما تفعله كل الأنظمة والجماعات الأخرى غير الإسلامية, على الرغم من عدم قانونية هذا الأمر خارج إطار الدول وأنظمتها إلا أن القانون بشكل عام يتحكم فيه من يحكم، وبالتالي هو مجرد أداة لا قيمة لها طالما وُصِل للحكم.
برأيي لم يكن الشرع يتخيل يوما أن يصل الى ما وصل اليه وبالتالي لم يكن مهتما أبدا بالمعرفة وضرورة توثيق وتثبيت جرائم النظام السابق من أجل التجهز للمحاكمات سواء العادية أو الثورية والتي من المفترض أنها ستكون اداة قانونية حتى في وجه النظام العالمي الذي لن يرضى بها لانحيازه, لكنها كانت ستؤدي في نهايتها الى حالة من السكون عند الطوائف كلها حتى لو لم تنفذ تلك المحاكمات بالشكل المطلوب لكن سيبقى مرتكبي الجرائم على الأقل في السجون.
خلاصة القول، وبعد تفصيل هذه النقاط التي تستدعي مقالات إضافية لبحثها، يبدو أن النظام الانتقالي السوري الحالي بقيادة أحمد #الشرع يجد نفسه مضطراً لتجاهل مطالب غالبية الضحايا ومظلوميتهم في سبيل البقاء في الحكم والحصول على الاعتراف الدولي والإقليمي. هذا الاضطرار قد يجعله امتدادًا جديدًا لنظام عائلة الأسد، وإن تغير المسمى إلى عائلة الشرع، ما لم يتم التخلص منه بعد إتمامه للخطة المرسومة له كرهاً، وتنصيب شخصية جديدة أكثر ملاءمة للوضع العربي المحيط.
حمزة حسن
#سوريا #بشار الأسد #أحمد الشرع #السلم الأهلي
لماذا يخاف النظام العالمي من الديمقراطيات؟ قراءة في التواطؤ مع الاستبداد
المقال السابق
لماذا يخاف النظام العالمي من الديمقراطيات؟ قراءة في التواطؤ مع الاستبداد
الانقلاب في مصر والخليج: من الدعم الحماسي إلى حسابات المكاسب والخسائر
المقال التالي
الانقلاب في مصر والخليج: من الدعم الحماسي إلى حسابات المكاسب والخسائر

مقالات متشابهة