هل يسقط السيسي في نفس الفخ الذي صنعه لمرسي؟ العد التنازلي بدأ

هل يسقط السيسي في نفس الفخ الذي صنعه لمرسي؟ العد التنازلي بدأ

بين تصاعد الحوادث، اضطراب الخطاب الرسمي، وتلميحات الخارج... هل يعود النظام إلى تكرار اللعبة التي استُخدمت لإسقاط مرسي؟ لكن هذه المرة قد يسقط من استخدمها لا من استُخدم ضده؟


تمر مصر في الأسابيع الأخيرة بحالة من التوتر السياسي والاجتماعي غير المألوف، يترافق معها تسارع في الأحداث الميدانية، وارتفاع في نبرة الخطاب الإعلامي، وعودة مفاجأة للحديث عن "الإرهاب" في توقيت مشبوه، يعيد للأذهان ما جرى في 2013 وما بعدها.

وقد كنا كمعارضين لهذا النظام نحذّر منذ سنوات من هذا الانهيار الذي كانت تخفيه آلة إعلامية ضخمة، واليوم يبدو أن النظام نفسه لم يعد قادرًا على حماية أكاذيبه، وكأن هناك من قرر فجأة أن الأضواء يجب أن تسلط على كل الأخطاء التي لم تتوقف يوما منذ وصل السيسي إلى الحكم بانقلاب عسكري مكتمل الأركان، وأن يُسمع الشارع المصري ما لم يكن يُقال له من قبل.

لقد اعتاد المصريون الحوادث المتكررة تحت حكم عبد الفتاح السيسي، لكن ما يلفت الانتباه هذه المرة ليس تكرارها، بل الطريقة التي يُراد بها تقديمها وترسيخها في وعي الناس.

 من حريق سنترال رمسيس الذي أصاب البنية التحتية الرقمية بالشلل، إلى تكرار حوادث القطارات وحرائق المصانع والمشاكل المرورية، بدا المشهد وكأنه يُدار بأسلوب مغاير لما اعتاده النظام في سنواته الماضية.

هذا التبدل جاء مرافقا مع انكشاف في الخطاب الرسمي أو المقرب من الرسمي نفسه، حيث خرج الإعلامي إبراهيم عيسى، المعروف بقربه من السلطة، بتصريحات يفُهم منها أن الدولة تحرص على غياب الاستقرار بينما الشعب هو وحده من يريد لهذا البلد الإستقرار وظهر جليا أن عيسى يقصد في كلامه بمصطلح الدولة - عبدالفتاح السيسي ، وتلميحه إلى أن "شيخ الطريقة" — أي رأس السلطة — بات عبئًا على البلد، ويقودها بأسلوب فردي مغلق لا يسمح بأي مشاركة أو مراجعة.

كما أثارت تصريحات أخرى من وسائل إعلام محسوبة على أجهزة الدولة استياءً شعبيًا، من بينها ما نشرته جريدة "الدستور" التي سخرت من المواطنين ووصفت آراءهم بـ"الهبد"، في محاولة لتجريد الناس من أبسط حقوقهم: التعبير عن الرأي.

ما زاد من خطورة المشهد هو حريق سنترال رمسيس، الذي لم يكن مجرد حادث عرضي، بل كشف هشاشة البنية الرقمية في دولة يفترض أنها أنفقت المليارات على البنية التحتية الإلكترونية.

 لقد توقفت الخدمات في مناطق واسعة كما تجدد الحريق خلال 24 ساعة من إطفائه،إن غياب الجيش عن الحادثة يثير أسئلة حقيقية عن دور المؤسسة التي تزعم أنها العمود الفقري للدولة في مواجهة الأزمات، بينما تقف متفرجة أمام انهيار واضح لبنية تحتية يفترض أنها جزء من أمن الدولة القومي. فيما جاءت تصريحات الحكومة منافية للواقع و مستنكرة ومقلله من أهمية الحدث.

الأهم من ذلك، أن هذه الحوادث جاءت متزامنة مع ظهور خطاب خارجي يتحدث عن مستقبل السيسي. فقد كتب الكاتب السعودي البارز قينان الغامدي ومعروف بقربه من دوائر صنع القرار في الخليج، أن ""30 يونيو 2025 ستكون الذكرى الأخيرة التي تحتفلون بها، والعام القادم ستكونون في سجن القناطر أو ليمان طرة تنكتون على هروب السيسي بطائرته الفخمة أو ربما يسجن ويلاقي مصير مرسي ومبارك".


 لم يكن هذا التصريح مجرد تعليق عابر على موقع التواصل الاجتماعي الشهير إكس وإنما جاء من شخصية لها سجل طويل من القرب بدوائر الحكم في المملكة مما أعطى هذه العبارة وزنًا أكبر بكثير من مجرد رأي شخصي.

ومما يزيد من غموض الصورة، عودة ظهور تنظيم "حسم" في مقطع مصور جديد، يعلن فيه نيته استئناف عملياته ضد النظام.

 لكن المفارقة أن هذا الظهور جاء في توقيت حرج، الأمر الذي دفع البعض للتشكيك في مصداقية الفيديو، وربط ظهوره بمناورات أمنية قد تستهدف تبرير حملة قمعية جديدة، أو محاولة لإقناع الأطراف الخارجية، الخليجية والغربية، بإعادة تبنّي النظام الحالي وتقديمه كحائط صد في مواجهة "الإرهاب" المتجدد مرة أخرى بعد أن أعلن القضاء عليه منذ سنوات.

كل هذه المؤشرات، من تصاعد الحوادث، وتغير اللهجة الإعلامية، وغياب الدولة عن أزماتها، وصولًا إلى تلميحات الخارج بمرحلة ما بعد السيسي تجعلنا نسأل:


 هل ما نشهده اليوم هو بداية نهاية نظام السيسي، أم مجرد إعادة ترتيب داخلية قبل جولة جديدة من التحكم والقمع؟ 

 وهل يتكرر مع السيسي ولكن بطريقة معكوسة مشهد مرسي الذي ظل محاصرًا من قبل الجيش والإعلام والسلطات في مصر حتى سقط بالإنقلاب العسكري؟


تفكك إعلام السلطة وتبدل الخطاب

لعل من أخطر ما يواجه الأنظمة السلطوية هو انفراط وحدة خطابها الإعلامي، وهو ما بدأ يطفو على السطح في الحالة المصرية. في السابق، كانت أصوات الإعلام الرسمي والمستقل (إن وجد) تخضع لرقابة صارمة، ويُمنع حتى التلميح بأي تقصير أو خلل في أداء الدولة بل على العكس برز مصطلح التطبيل مرادفا للإعلام المصري خلال فترة حكم السيسي. أما اليوم، فنجد أن بعض أبرز الوجوه الإعلامية المحسوبة على النظام — كإبراهيم عيسى — بدأت تخرج عن النص المرسوم، وتتحدث بلغة لم يكن يُسمح بها أبدا حتى للمعارضة وقد لمح إيراهيم عيسى نفسه أن من يتكلم "يروح" في إشارة إلى السجن.

حين يعلن عيسى أن "الدولة تحرص على غياب الاستقرار"، أو أن "التنمية في المونوريل والترددي لا تعني شيئًا لحياة المواطن"، فإنه لا يوجه نقدًا تقنيًا، بل يفضح جوهر فلسفة الحكم: استعراضات استثمارية شكلية، ومشاريع غير متصلة باحتياجات الناس، يقابلها غياب كامل للشفافية والمحاسبة.

في الوقت نفسه، تصدر جريدة مثل "الدستور" ــ المعروفة بعلاقتها بالأجهزة ــ تعليقات ساخرة من آراء الناس، وتدعوهم ضمنيًا إلى الصمت، مما يعكس ضيقًا متصاعدًا داخل دوائر السلطة تجاه ما تبقى من أصوات الشعب الخافتة أصلا من الخوف.

هذا التبدل في اللهجة، حتى وإن بدا غير منسق، يُشير إلى تصدّع في الخطاب الموحد الذي حافظ عليه نظام السيسي لسنوات، وهنا يبرز السؤال: هل نحن أمام تمهيد مقصود لإعادة تشكيل صورة نظام السيسي؟ أم أن الشروخ الداخلية بدأت تتسع أكثر من قدرة الأجهزة على ضبطها؟


فشل المشاريع الكبرى و انفصال الدولة عن المواطن

رُوّج في السنوات الماضية لمجموعة من المشاريع الكبرى باعتبارها الإنجاز الأبرز في عهد السيسي: العاصمة الإدارية، المونوريل، الصوب الزراعية، ومزارع الأسماك، وغيرها.

لكن الواقع الذي طالما تجاهلته إعلام النظام، يؤكد اليوم أن مشاريع السيسي الكبرى لم تكن سوى واجهة زائفة للتنمية. لم تلمس حياة المواطن، ولم تخفف ألمه، بل راكمت ديونًا ستدفعها الأجيال القادمة مقابل أوهام أسمنتية لا تسد جوعًا ولا تعالج مريضًا.

 فقد تجاهلت تلك المشاريع مشكلات البنية التحتية الأساسية، وتفشي الفقر، وتدهور الصحة والتعليم، واكتفت بعرض صور جوية وخطابات بروتوكولية لمشروعات ضخمة بلا أثر شعبي وبعضها بالفعل قد فشل بالكامل ولم يعد له وجود.

ترافق هذا مع انهيارات يومية في مرافق الدولة: طرق تنهار بعد أشهر من إنشائها، وقطارات تخرج عن مساراتها، ومصانع تحترق، وسنترالات تُشلّ بسبب الإهمال أو ربما ما هو أبعد من ذلك.

لقد تكرّست قطيعة واضحة بين المواطن والدولة أو قل النظام: من ناحية، يعيش النظام في عالم من المؤتمرات والمشاريع غير المرتبطة بالاحتياجات الفعلية، ومن ناحية أخرى، يُطلب من المواطن السكوت والتصفيق رغم الألم والتدهور والضنك والفقر. وفي ظل تزايد الديون الخارجية التي بنى ها السيسي كل تلك المشاريع الاستعراضية التي لا تخدم الشعب وتآكل قيمة العملة، أصبحت تلك المشاريع عبئًا على الشعب أكثر منها حلاً.


العزلة الداخلية ومصادرة المجال العام

منذ توليه السلطة، سعى النظام المصري إلى إغلاق كل منافذ المشاركة السياسية والاجتماعية، وتفريغ الساحة من المعارضة، بل وحتى من النقد البناء. قُيّدت الأحزاب، جُرّمت الحركات الاجتماعية، سُحقت النقابات، وامتلأت السجون بأكثر من 100 ألف معتقل سياسي.

واليوم وبعد أكثر من عقد من هذا النهج، بات واضحًا أن النظام لم يعد يملك إلا نفسه حيث فكك كل مؤسسات الوساطة والمشاركة ولم تعد هناك نخبة سياسية قادرة على امتصاص الصدمات أو تقديم مبادرات وحلول كما أنه انقطع عن التواصل مع الشعب عبر الإنزواء في بيئة مخصصة صنعها النظام لنفسه وللمنتفعين منه.

حتى الموالين التاريخيين للنظام، بدءًا من إعلاميين، وصولاً إلى بعض المحسوبين على الأجهزة، بدؤوا يعبّرون عن القلق أو الغضب بشكل صريح. 


هذا التغيير الذي رافق السيسي منذ صعوده على كرسي الحكم لا يمكن عزله عن الإحساس المتزايد بأن الدولة فقدت بوصلتها، وأن الشعب لم يعد ممثلاً في أي من مؤسساتها.


بين السيسي ومرسي: تشابه اللحظة واختلاف الأدوات

حين ننظر إلى ما يحدث اليوم، لا يمكن تجاهل أوجه الشبه بين ما يجري الآن وما حدث مع الرئيس الراحل محمد مرسي قبيل الإنقلاب عليه وعزله.

ففي أيام مرسي، ظهرت أزمات مفتعلة وتراكمت الأخطاء  وانتشرت حالة من الفوضى الإعلامية، تزامنًا مع حملة إقناع بأن البلاد على وشك الانهيار.



الفرق الوحيد أن مرسي لم يكن يملك السلطة الفعلية في البلاد بينما السيسي يملك كل شيء في البلاد بعد أن تخلص من كل مراكز القوى فيها, ومع ذلك، تتشابه اللحظة من حيث الديناميكيات: انفلات الحوادث، تهييج الشارع، وتنامي التململ المحلي وقد زاد في عهد السيسي تململا دوليا أيضا.

سبق وأن استُخدم السيسي  "الإرهاب" كورقة لتبرير أفعاله بعد الانقلاب، وها هو يعود للظهور مجددًا على شكل فيديو جديد لحركة "حسم"، في توقيت لا يخلو من الغموض.

هل هو تهديد حقيقي؟ أم محاولة لإعادة إنتاج خطاب "محاربة الإرهاب" الذي لطالما استخدمه النظام لتبرير القمع الداخلي وكسب الدعم الخارجي سواء من الخليج أو أوربا؟


سيناريوهات ما بعد السيسي: تفكك، تصعيد، أم انتقال ناعم؟

في ظل هذا السياق المضطرب، يبرز سؤال لا يمكن تجنبه: ما الذي يمكن أن يحدث إذا ترنّح النظام أو فقد السيطرة؟

السيناريوهات متعددة، وتتراوح بين تفكك تدريجي للنظام تحت وطأة الانهيار الاقتصادي وتآكل الثقة الداخلية، وبين تصعيد أمني قد يُستخدم لضرب معارضين أو خلق "عدو" داخلي لتمديد عمر النظام.

كما لا يمكن استبعاد سيناريو الانتقال الناعم، بدفع من أطراف إقليمية أو دولية، نحو شخصية عسكرية جديدة أكثر "اعتدالاً" أو ربما التحول إلى حالة شبيهة بالحالة التونسية برئيس مدني ذو أفعال عسكرية، تحفظ مصالح الغرب والخليج دون أن تُثير استفزاز الداخل أو تتحكم في الداخل بشكل ممنهج وأكثر فعالية من طريقة النظام الحالي.

في كل الحالات، يبدو أن السيسي يواجه لحظة حرجة تتقاطع فيها الضغوط الشعبية، والتململ من داخل النظام، ورسائل غير مباشرة من الخارج، وكلها تعيد للأذهان مشهد النهايات في أنظمة سبقته... دون أن تعني بالضرورة تكرار السيناريو ذاته.


حمزة حسن

الوسوم
#مصر #السيسي #الخليج #الإنقلاب العسكري #مرسي
مقالات أخرى
حريق سنترال رمسيس في مصر: كارثة تقنية أم هجوم إلكتروني متقدم؟
المقال السابق
حريق سنترال رمسيس في مصر: كارثة تقنية أم هجوم إلكتروني متقدم؟