معركة النقاط: دروس من أفغانستان إلى لبنان وفلسطين

من المعروف أن حركة طالبان قد انتصرت على الجيش الأمريكي في المعركة التي استمرت قرابة عشرين عامًا، فيما يمكن وصفه بـ"معركة النقاط". فقد تكبّد الشعب الأفغاني والحركة خسائر بشرية جسيمة؛ إذ قُتل ما يقارب 51 ألفًا من مقاتلي طالبان والحركات المتحالفة معها، إضافة إلى نحو 66 ألفًا من الشرطة الأفغانية وقوات الأمن.
في المقابل، تكبّد الجيش الأمريكي 2442 قتيلًا، إضافة إلى نحو 4000 مقاول أمريكي متعاون، بحسب إحصائية صادرة عن جامعة براون الأمريكية. أي أن كل جندي أمريكي مقتول قابله سقوط 21 مقاتلًا من طالبان، وهو معدل عسكري ضخم.
ورغم هذه الأرقام، استطاعت طالبان في نهاية المطاف فرض معادلة النصر، بإجبار الجيش الأمريكي على الاعتراف بهزيمته والانسحاب من أفغانستان في مشهد مهين نقلته وسائل الإعلام العالمية.
هنا يُطرح السؤال: هل كان الأمين العام لحزب الله يشير بمقولته "المقاومة ستنتصر بالنقاط" إلى هذا النموذج الأفغاني؟
عند متابعة البيانات المتلاحقة لحزب الله منذ دخوله معركة "طوفان الأقصى"، والتي أشار إليها أمينه العام، يتضح أن الجيش الإسرائيلي يتعرض لخسائر متراكمة على الجبهة الشمالية، لكنها لا تُقاس أساسًا بعدد القتلى، بل بآثارها الاقتصادية والعسكرية.
فعلى الصعيد الاقتصادي، غادر آلاف المستوطنين من سكان المناطق الحدودية مع لبنان منازلهم وأعمالهم، ولجأوا إلى العمق الإسرائيلي بحثًا عن الأمان، نتيجة تهديدات متواصلة من فصائل المقاومة اللبنانية. وقد أدى هذا النزوح إلى ضغط مضاعف على الاقتصاد الإسرائيلي: فمن جهة تعطلت مصادر دخل كانت تعتمد على عمل هؤلاء المستوطنين، ومن جهة أخرى تحمّلت الحكومة أعباء مالية لتأمين مساكن ومستلزمات حياتية لهم.
ويضاف إلى ذلك نزوح أكبر وأكثر خطورة في الجنوب، حيث تحولت مستوطنات غلاف غزة إلى مناطق شبه خالية، لا يقطنها سوى الجنود والآليات العسكرية.
من الناحية العسكرية، يمكن القول إن حزب الله خسر حتى الآن عددا أكبر من المقاتلين، لكن الوضع يذكّر بخسائر طالبان أمام الأمريكيين: الأرقام قد لا تصب لصالح المقاومة على مستوى الأفراد، لكن آثار الحرب تُضعف الخصم وتستنزفه بشكل أعمق. وهذا ما ظهر في خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حين اعترف بأن الجيش تكبّد "خسائر مؤلمة"، واستخدامه لهذه الكلمة يحمل دلالة واضحة على حجم المأزق.
أما في الجنوب، فتواصل الفصائل الفلسطينية نشر مقاطع مصوّرة تُظهر أعطالًا تقنية ومشاكل ميدانية جدية في المعدات والآليات الإسرائيلية التي تشكل عماد "اقتصاد السلاح" في إسرائيل. ومن المؤكد أن هذه الصور ستلقي بظلالها على مستقبل تجارة السلاح الإسرائيلي، إذ ستجعل الدول الراغبة في شرائه أكثر حذرًا في تقييم كفاءته وجدواه.