تحليل أمني لموقف احتجاز طالب هندسة لصنعه طائرة بدون طيار (درون)

بعد إعادة ظهور قصة الطالب الجامعي الذي قام بتطوير وصناعة طائرة بدون طيار في مشروعه الجامعي والقبض عليه من قبل السلطات الأمنية في مصر لم يكن هناك مفر من تحليل هذه المسألة من الجانب الأمني في مصر ولماذا بشكل مستمر تحدث مثل هذه العمليات القمعية التي تظهر تخوفا شديدا من قبل النظام المصري خصوصا وأن الطالب المعتقل وجهت له تهم "دعم الإرهاب" كما رفض الدكتور الجامعي المشرف على المشروع أن يشهد مع طالبه خوفا من أن تطاله تلك الإتهامات.
يُظهر هذا الحدث، على الرغم من بساطته الظاهرة، العديد من الجوانب الأمنية والاجتماعية التي تعكس واقع النظام الأمني في مصر بشكل واضح. لنقم بتحليل الوضع من منظور أمني معمق.
1. طبيعة النظام الأمني في مصر:
مصر دولة ذات طابع أمني بوليسي صارم، يعتمد على فرض السيطرة الأمنية من خلال أجهزة مخابرات وقوات أمنية واسعة الانتشار. هذا النظام غالبًا ما يتعامل مع أي نشاط غير معروف أو غير مراقب باعتباره تهديدًا محتملاً للأمن القومي. لكن، على الرغم من هذا الحجم الأمني، هناك هشاشة واضحة في الجوانب التكنولوجية والتنظيمية التي تؤثر على كفاءة النظام.
2. الضعف التكنولوجي وأثره على الأمن:
مصر تفتقر إلى بنية تحتية أمنية متطورة قادرة على التعامل مع التحديات التكنولوجية الحديثة، مثل الطائرات بدون طيار (الدرونز) التي يمكن استخدامها لأغراض عدة تتراوح بين المدنية والأمنية. ضعف هذه البنية يجعل من الصعب رصد ومتابعة مثل هذه الأجهزة في البيئات المفتوحة، مما يدفع النظام إلى اتخاذ إجراءات وقائية صارمة حتى ضد المبتكرين والأفراد الذين يعملون في هذا المجال.
3. ضعف العنصر البشري وتأهيله الأمني:
جانب آخر مهم هو ضعف تأهيل الأفراد الأمنيين الذين يُفترض أنهم الخط الأمامي في حفظ الأمن. نقص التدريب، قلة الأعداد، ووجود عناصر داخلية قد تكون غير مخلصة للنظام أو حتى معادية له، يزيد من خطر الاختراقات والتهديدات الداخلية. هذا يجعل النظام في حالة تأهب دائم ويجعل مواقف مثل احتجاز طالب بسبب مشروع تخرجه أقل استغرابًا في هذا السياق.
4. ضعف القدرة على توقع المخاطر:
الدول المتقدمة تسعى لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي وتحليل بيانات متقدمة للتنبؤ بالتهديدات المستقبلية وتحجيمها قبل وقوعها. في مصر، هذا الجانب لا يزال محدودًا، الأمر الذي يجعل النظام يعتمد بشكل أكبر على التدابير الأمنية الوقائية التقليدية والمباشرة، التي غالبًا ما تفتقر إلى المرونة والتقدير الدقيق لطبيعة التهديد.
5. المخاطر الأمنية من انتشار تقنيات الدرون:
صناعة الطائرات بدون طيار إذا ما انتشرت بشكل غير منظم في مصر، قد تتحول إلى أداة تستخدمها مجموعات معارضة أو فصائل مسلحة ضد مؤسسات الدولة، مما يرفع من مستوى التهديد الأمني بشكل ملموس. هذه التقنيات، بقدرتها على التحليق والتصوير وحتى حمل أوزان صغيرة، يمكن أن تستخدم في مراقبة أو استهداف مراكز حيوية، وهذا ما يجعل السلطات متشددة جدًا تجاه مثل هذه الابتكارات التي لا تخضع لرقابة صارمة.
6. البعد السياسي والاجتماعي:
تحتفظ السلطات الأمنية في مصر بنهج متشدد تجاه أي نشاط خارج نطاق مراقبتها المباشرة، خصوصًا بعد أحداث الانقلاب العسكري وما تبعه من تشديدات على الحريات العامة. في هذا السياق، يُنظر لأي نشاط علمي أو تقني جديد خارج السيطرة على أنه تهديد محتمل، مما يجعل الابتكار والابداع ضحايا للنظام الأمني، عوضًا عن تشجيعها وتعزيزها.
وكما قال السيسي - رئيس مصر الحالي - "التعليم الحقيقي هيطلع شخصية صعب السيطرة عليها بالوسائل الحديثة"
خلاصة:
الاحتجاز الأمني لطالب هندسة بسبب مشروع تخرجه لا يعكس فقط القلق الأمني من تكنولوجيا الدرون في مصر، بل يكشف أيضًا عن أوجه ضعف متعددة في النظام الأمني المصري، سواء على صعيد التكنولوجيا، أو الموارد البشرية، أو القدرة على التنبؤ بالمخاطر، إضافة إلى الطابع السياسي الذي يسيطر على تعامل السلطات مع أي نشاط غير رسمي. هذا المزيج يجعل البيئة الأمنية في مصر ضعيفة، لكنها في الوقت نفسه متشددة إلى حد يجعل التفكير والإبداع في مجالات تقنية حساسة مثل الدرون أمرًا محفوفًا بالمخاطر.