الخطة الأميركية: من مواجهة فلسطينية – إسرائيلية إلى صراع عربي – عربي

الخطة الأميركية: من مواجهة فلسطينية – إسرائيلية إلى صراع عربي – عربي

بواسطة حمزة حسن
السبت 11 أكتوبر 2025

منذ اندلاع الحرب الأخيرة على غزة، وبعد الوصول إلى الهدنة الاخيرة التي نبتت من مقترح ترامب تكررت في تصريحات القادة العسكريين والسياسيين في إسرائيل مقولات عن أن حمـ..ـاس قد انهزمت. خرج المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي العميد إيفي ديفرين ليؤكد أن الحركة فقدت قدرتها القتالية، بينما قدم الإعلام العبري صورة مغايرة تمامًا. المراسلون العارفون بالميدان كتبوا بوضوح منذ بدأت الانسحاب بأن مدينة غزة لم تُهزم، وأن وسط القطاع لم يسقط، بل أن كل انسحاب للجيش الإسرائيلي من موقع ما يتبعه عودة سريعة لعناصر الحركة. وقد أبدى بعض المراسلين استياءهم من الصور التي تظهر انسحاب الجنود، مؤكدين أن ما يجري هو إعادة تموضع أكثر منه انتصارًا.

هذا التناقض بين الخطاب العسكري والواقع الميداني كشف ومازال يكشف عن مأزق إسرائيل التي لم تتمكن من القضاء على الحركة رغم كل ما استخدم من قوة نارية هائلة فقدت بوصلتها منذ اليوم الأول وتحولت إلى الشعب، ولم تستطع أن تقدم لجمهورها صورة نصر مقنعة وبسبب كل هذا تدخلت الوساطة الأميركية لتمنح كل طرف ما يمكن أن يسوقه داخليا وخارجيا.

الوساطة الأميركية وصناعة الانتصار الوهمي

ما جرى في شرم الشيخ لم يكن مجرد مفاوضات على صفقة تبادل أو وقف لإطلاق النار بل كان، في جوهره، محاولة أميركية لإعادة صياغة المشهد السياسي في غزة وإعادة ترتيب الأوراق ومنح نتنياهو فرصة للتجهيز للانتخابات الداخلية. وقد وصف العديد من المحللين الإسرائيليين ما فعلته واشنطن بالعبقرية، لأنها أخرجت صيغة تسمح للجميع بأن يعلنوا أنهم انتصروا في تلك المعركة، حتى وإن لم يحقق أحد النصر فعليا بحسب ما يرونه في إسرائيل.

إسرائيل حصلت على استمرار سيطرتها على نحو نصف مساحة القطاع عبر هذه الخطة كما وحصلت على شريط أمني واسع يبعد مقاتلي حمـ..ـاس عن الحدود، وبهذا، تستطيع حكومة نتنياهو القول إنها لم تجبر على الانسحاب الكامل. بينما حصلت حمـ..ـاس على وقف إطلاق النار، وعلى ضمانات دولية تجعل استئناف الحرب صعبا بحسب ما تم التصريح به،بالإضافة إلى عودة المساعدات من أجل إعادة الإعمار واعتراف سياسي غير مسبوق بقدرتها على الصمود والمناورة. وبذلك يمكن لكل طرف أن يعود إلى جمهوره مدعيا أنه قد حقق مكاسب من هذا الاتفاق.

غير أن هذا المشهد الظاهري يخفي في عمقه الهدف الأميركي الأبعد إعادة توجيه للصراع من كونه مواجهة إسرائيلية – فلسطينية وتحويله إلى مواجهة داخلية إقليمية عربية – عربية أو فلسطينية - فلسطينية في البداية.

العرب في قلب الخطة الأميركية

حين نقرأ ما نشرته القناة 12 العبرية عن التحضيرات المصرية لعقد مؤتمر موسع للفصائل الفلسطينية لمناقشة مستقبل القطاع يمكن أن نقول أن العرب ليسوا مجرد وسطاء في هذا الاتفاق بل شركاء مباشرين في صياغة اليوم التالي لغزة، وقد عبر وزير الخارجية المصري عبد العاطي بأن على الحركة وضع سلاحها. بعض التقارير الإسرائيلية تحدثت صراحة عن استعداد دول عربية للمشاركة في قوة حاكمة بديلة تكون السلطة الفلسطينية واجهتها السياسية بينما يتحمل العرب وتركيا وبعض الدول الأخرى العبء التنفيذي.

هذه الصيغة تعني أن إسرائيل قد تتراجع خطوة إلى الوراء، لكنها لن تترك المسرح فارغا بل ستسلمه إلى أنظمة عربية لتكون هي من يدير غزة، ويواجه حمـ..ـاس، ويتحمل مسؤولية الأمن وإعادة الإعمار. وبهذا، تتخلص تل أبيب من الاستنزاف المباشر، فيما يجد العرب أنفسهم في قلب المعركة كما حدث ويحدث في لبنان حاليا رغم عدم تطور الأمر لمعركة داخلية حتى اليوم.

من فلسطيني – إسرائيلي إلى عربي – عربي

جوهر التحول الذي تسعى إليه واشنطن من خلال مبادرة ترامب هي تحويل تلك المواجهة مع إسرائيل إلى مواجهة داخلية تقوم فيها الدول العربية مع تركيا بالدور المطلوب من ناحية إنهاء تواجد الحركة،  فالمواجهة التي فشلت إسرائيل في حسمها عسكريا يجري إعادة تدويرها لتصبح مواجهة عربية – عربية. فإذا رفضت حمـ..ـاس التنازل عن سلاحها أو الخضوع لسلطة جديدة مفروضة من الخارج، ستجد نفسها في مواجهة مباشرة مع قوى عربية. وعندها، لن ينظر إلى الصراع بوصفه معركة تحرر وطني ضد الاحتلال، بل سيقدم باعتباره نزاعًا داخليًا على السلطة، أو صراعا بين "شرعية فلسطينية" مدعومة عربيًا و"حركة مسلحة" رافضة للتسوية مثل تلك الصراعات الدائرة في الدول العربية منذ الربيع العربي ضد الإسلاميين.

وبهذا الشكل، تتحقق الرؤية الأميركية بأنه على إسرائيل أن تستريح بينما يتم حصار حمـ…ـاس سياسيًا وأمنيًا، والعرب هم من سيتولون مهمة المواجهة نيابة عن الاحتلال. إنها صيغة تحمل في ظاهرها ملامح الاستقرار، لكنها في حقيقتها إعادة إنتاج للدور العربي المعتاد بأدوات جديدة.

التحول في ثوب جديد

منذ اليوم الأول ومنذ إعلان مصر عن التطبيع مع إسرائيل بعد حرب أكتوبر لم تعد المشاركة العربية في الملف الفلسطيني مجرد وساطة أو دعم دبلوماسي لصالح فلسطين، بل أدت كل القرارات التي جائت منذ ذلك التاريخ وربما قبله إلى تقليص دولة فلسطين إلى أقل مساحة ممكنة مع إضعافها واضعاف الحركات المقاومة فيها بحسب ما يراه المحللون، والتحركات الحالية والجارية تعني أن بعض الأنظمة العربية والإسلامية - بين معقوفتين - تستعد للانخراط في إدارة غزة وضبطها، وهو الدور الذي عجزت إسرائيل عن حسمه عسكريا.

سوف يتم التسويق لهذه الخطوات تحت عناوين مثل "الاستقرار" و"إعادة الإعمار"، لكن جوهرها قد يقود إلى المزيد من إضعاف مشروع المقاومة الفلسطينية وإعادة صياغة المشهد بما يضمن أمن إسرائيل.

الإعلام العبري يكشف الخلفيات

إن ما يُقال ليس استنتاجًا عربيًا فقط، بل تؤكده الصحافة الإسرائيلية حيث أشار محللون في هآرتس ويديعوت أحرونوت إلى أن الخطة الأميركية تهدف إلى تشكيل قوة بديلة لإدارة غزة بمشاركة عربية، في إطار إعادة توزيع أدوار الصراع بطريقة تخدم إسرائيل وتُريحها من الاستنزاف المباشر.

المستقبل المجهول

وهكذا قد تتحول المعركة من مواجهة مع الاحتلال إلى نزاع داخلي عربي – فلسطيني. إسرائيل تُخرج نفسها من قلب المواجهة وتعيد فيه رسم شكلها الإعلامي الخارجي الذي تدهور منذ بدء الحرب، وحمـ..ـاس تُحاصر سياسيًا وأمنيًا، فيما يُزج بالعرب في صراع جديد يخدم الرؤية الإعلامية الإسرائيلية في بيان أن المقاومة هي شكل من أشكال الإرهاب وأنها تقاتل حتى الحكومات الإقليمية التي جاءت لها بمبادرات ووقف إطلاق نار لم تكن تحلم به. 

المبادرة قد تُقدَّم كخطوة نحو الاستقرار في المنطقة، لكنها عمليًا تفتح الباب أمام أزمة مختلفة، تُعيد تعريف طبيعة الصراع في المنطقة.

الوسوم
ترامب، المبادرة، إسرائيل
مقالات أخرى
تسليم فضل شاكر لنفسه: اختبار القوة بين حزب الله والحكومة اللبنانية الجديدة
المقال السابق
تسليم فضل شاكر لنفسه: اختبار القوة بين حزب الله والحكومة اللبنانية الجديدة
هل ما زال تليجرام آمنًا بعد رسالة دوروف؟
المقال التالي
هل ما زال تليجرام آمنًا بعد رسالة دوروف؟