حماس بعد السابع من أكتوبر هل تتجه لمصير حزب الله ؟

بعد هذا الاتفاق الذي من المنتظر أن توافق عليه إسرائيل، من المؤسف القول إن حماس ستتحول في أحسن الأحوال إلى نسخة ثانية من حزب الله.
ثمن هذه المعركة سيكون باهظا جدا على الحركة، فهي وإن كانت قد خاضتها بأهداف مشروعة لشعب يناضل من أجل تحرير أرضه، إلا أنها حملت معها تطورات لم تكن حماس تتوقع أن تصل إليها. فحين بدأت الحركة هجومها في السابع من أكتوبر 2023 لم تتوقع أبدا أن تكشف إسرائيل عن هذا القدر من الضعف والخوار؛ لدرجة أنه لو شدت حماس هجومها أكثر ربما وصلت إلى تل أبيب دون أن يوقفها أحد، في مشهد أظهر قصورا واضحا في التأمين الداخلي الإسرائيلي وتركيزا أكبر على حماية المستوطنات الدينية بهدف تحقيق أقصى استفزاز للمسلمين.
كما لم تتوقع حماس أن تعود من الهجوم بأكثر من عشرة أسرى إسرائيليين، غير أن سهولة الموقف فاقت التوقعات، الأمر الذي مكّنها من جمع عدد كبير من الأسرى والعودة بهم بأمان إلى غزة، وفق تصريحات مسؤوليها بعد العملية. لكن إسرائيل حاولت تعويض هذا الضعف الداخلي بشن حرب دموية على القطاع منذ السابع من أكتوبر وحتى لحظة كتابة هذا المقال في السادس من يونيو 2024، أي لثمانية أشهر متواصلة، قُتل خلالها نحو 35 ألف فلسطيني أعزل، في محاولة لإيصال رسالة ردع لكل من يفكر بمهاجمتها مجددا، وسط دعم دولي غربي وعربي، لم يخلُ من تنديدات شكلية محدودة الهدف منها خداع الرأي العام.
ما جرى في غزة يذكرني بما وقع في لبنان عام 2006، حين شنت إسرائيل حربا شرسة على حزب الله بعد أن اختطف جنديا إسرائيليا. وقتها كادت إسرائيل تصل إلى بيروت لو أرادت، فيما تكبد الحزب خسائر كبيرة، ليس فقط خلال المعركة بل أيضا بعدها. فقد كان يحظى بدعم لبناني وعربي واسع بفضل عدائه المعلن لإسرائيل، لكنه خسر قسما كبيرا من هذا الدعم بعد أن ذاق اللبنانيون ويلات الحرب، وتم استغلال ذلك بمهارة من القوى السياسية المناوئة لإيران داخل لبنان، ليتراجع تأييد الحزب بأكثر من 80 بالمائة. وزاد الطين بلة تورط الحزب في القتال إلى جانب نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري، ليفقد بذلك أيضا معظم شعبيته العربية، ويتحول إلى مجرد قوة تسعى للبقاء في لبنان أكثر مما تسعى لتحقيق أهدافها الأساسية.
حتى حسن نصر الله نفسه اعترف بعد الحرب بأنه لو كان يعلم أن اختطاف الجندي سيقود إلى هذه النتائج لما أقدم عليه، وهو تصريح اعتبره اللبنانيون إقرارا بالخطأ. وربما لو سئل اليوم عن ذلك لندم على التصريح أكثر من الفعل ذاته.
الوضع بالنسبة لحماس لا يختلف كثيرا. فهي بعد هذه الحرب لن تكون الحركة ذاتها التي كانت قبلها. عسكريا خسرت جزءا كبيرا من قوتها البشرية، وأمنيا لم تعد غزة كما كانت، بل ستبقى بحاجة إلى إعادة إعمار مشروط بقيود صارمة تفرضها الأنظمة العربية بالتنسيق مع إسرائيل. أما على المستوى الشعبي فمن المرجح أن يعيش أهل غزة ما عاشه اللبنانيون بعد حرب 2006، بل ربما أشد، نظرا لحجم المجازر التي تعرضوا لها والتي تجاوزت حدود العقل والقانون الدولي، الذي يطبق فقط على شعوب العالم الثالث، بينما شعوب "الطبقات الأعلى" بمنأى عنه.
ومن المتوقع أن تواجه حماس بعد هذه الحرب حربا إعلامية قاسية، يتبعها تضييق متزايد من الحكومات العربية، حتى من قطر التي لطالما استضافت مكتبها السياسي، وقد ينتهي الأمر بأن تجد الحركة نفسها مضطرة للارتماء في الحضن الإيراني.
الخلاصة
حماس التي دخلت هذه المعركة كحركة وحكومة تسيطر على غزة، لن تكون هي نفسها بعد انتهائها. ففي أفضل السيناريوهات ستصبح أشبه بحزب الله، تابعة بالكامل لإحدى القوى الإقليمية التي تقدم لها دعما محدودا، تركز بفضله فقط على إدارة الشأن الداخلي في غزة، هذا إن سُمح لها بذلك، وهو أمر مشكوك فيه بعد كل ما جرى.
حمزة حسن