بعد هذا الاتفاق، المتوقع أن تصادق عليه إسرائيل، تبدو حركة حماس مقبلة على مرحلة جديدة قد تجعلها أقرب في بنيتها ووظيفتها إلى نموذج حزب الله في لبنان، مع اختلاف الظروف والسياقات.
تكلفة الحرب الأخيرة كانت عالية جدًا على الحركة. فبينما دخلت المعركة بأهداف تعلن أنها مرتبطة بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، جاءت نتائجها على نحو لم يكن في الحسبان. عند بدء هجومها في السابع من أكتوبر 2023، كشفت العملية عن ثغرات أمنية إسرائيلية غير متوقعة، إذ بدا أن بعض المواقع الحيوية كانت أقل تحصينًا مما تصوره المراقبون، الأمر الذي سمح للحركة بالسيطرة على عدد من المواقع والحصول على أسرى بأعداد أكبر مما توقعت. لكن إسرائيل ردت بعمليات عسكرية واسعة استمرت لثمانية أشهر متواصلة، خلّفت عشرات آلاف القتلى من المدنيين الفلسطينيين، في إطار استراتيجية تهدف إلى فرض الردع وإعادة ترميم صورة الجيش الإسرائيلي، وسط دعم دولي معلن وتنديدات شكلية محدودة.
هذا المشهد يعيد إلى الأذهان تجربة حرب لبنان عام 2006، حين خاض حزب الله مواجهة عسكرية واسعة انتهت بخسائر بشرية ومادية كبيرة، وبانحسار شعبيته عربيًا ولبنانيًا مع مرور الوقت، خاصة بعد انخراطه لاحقًا في الحرب السورية إلى جانب نظام الأسد. حتى تصريحات حسن نصر الله اللاحقة، التي أبدى فيها ندمًا على عملية اختطاف الجندي الإسرائيلي، اعتُبرت مؤشرًا على إدراك كلفة الخطوة.
الوضع بالنسبة لحماس قد يسير في اتجاه مشابه. فقد تراجعت قدراتها البشرية والعسكرية بشكل ملحوظ، وبات قطاع غزة في حاجة إلى إعادة إعمار مشروطة ترتبط بترتيبات إقليمية ودولية تفرضها أطراف عربية بالتنسيق مع إسرائيل. وعلى المستوى الشعبي، من المرجح أن يواجه سكان غزة ضغوطًا مشابهة أو أشد مما واجهه اللبنانيون بعد حرب 2006، بالنظر إلى حجم الدمار والمجازر. كما يُتوقع أن تواجه الحركة حملة إعلامية وسياسية متصاعدة، مع تضييق من بعض الأنظمة العربية التي طالما وفرت لها دعمًا سياسيًا، ما قد يدفعها للارتماء أكثر في الفلك الإيراني.
الخلاصة:
حماس التي دخلت هذه الحرب كسلطة أمر واقع في غزة، ستخرج منها في صورة مختلفة. وفي أفضل السيناريوهات، قد تتحول إلى كيان يشبه حزب الله، يعتمد على دعم إقليمي محدد، يركز أساسًا على إدارة الوضع الداخلي، بينما يتقلص هامش حركته الاستراتيجية بفعل القيود الجديدة التي فرضها الصراع.
مبرمج مصري وسياسي متخصص في التحليل الأمني والاستراتيجي، مهتم بالنشاط الحقوقي ودعم منظمات حقوق الإنسان تقنيا